وهناك وهمٌ عند بعضِ المدخّنين، يقول: أنا لا أشكو شيئاً، أجرِي وأركضُ، وأتمتعُ بصحةٍ جيدةٍ، وأدخِّنُ، لقد غابت عنه حقيقةٌ خطيرةٌ، وهي أنّ أخطارَ الدخانِ تتراكمُ في الجسمِ دونَ أنْ تظهرَ آثارُها إلا بعدَ إجراءِ فحوصٍ دقيقةٍ، فالإنسانُ يتوهّمُ أنه خالٍ من كلِّ مرضٍ، لكنّ آثارَ الدخانِ تتراكمُ، هناك خطٌّ أحمرُ، فإذا بلغَ هذا التراكمُ الخطَّ الأحمرَ ظهرتْ هذه الأعراضُ فجأةً، وهذا يُسمَّى انكسارَ خطِّ المقاومةِ، أنت تضعُ في إحدى كِفتي الميزانِ خمسةَ كيلوغرامات، وفي الكِفّة الثانيةِ تضعُ كيلو، اثنين، ثلاثة، أربعة، والكِفّة راجحةٌ، فجأةً عندما يصبحُ الوزنُ المقابلُ خمسةَ كيلوغرامات تتحرّكُ الكِفةُ، ما الذي حرّكها؟ هذه القشةُ الأخيرةُ، آخرُ غرامٍ؟ لا، الذي حرّكها التراكمُ السابقُ، مضافاً إليه هذه القشةُ الأخيرةُ، التي قَصمَتْ ظَهرَ البعيرِ.
يقول احد العلماء الأجانب: "شركاتُ التبغِ هي شركاتُ القتلِ، أو شركاتٌ تَتَّجِرُ بالموتِ".
إن علماءَ المسلمين السابقين لضعفِ معرفتِهم بمضارِّ بالتدخينِ وقعوا في فتاوى متضاربةٍ، فالعلامةُ ابنُ عابدينَ صاحبُ الحاشيةِ في الفقهِ الحنفيِّ، وهي أوسعُ مرجعٍ في الفقهِ الحنفيِّ يقول في حديثه عن التدخين: "منهم مَن قالَ بحرمتِه، ومنهم مَن قالَ بكراهتِه، ومنهم مَن قال بإباحتِه"، لأنّ أضرارَه لم تكن واضحةً، والأصلُ في الأشياءِ الإباحةُ، فإذا كان عالمٌ قديمٌ أباحَ الدخانَ، فبسببِ نقصٍ حادٍّ في معرفتهِ بأضرارِه، ولو انتهتْ إلى علمِه الحقائقُ القاطعةُ عن مضارِّ الدخانِ لكان أسرعَ منا إلى تحريمِه.
وبعد أن استعرَضْنَا هذا الكمَّ الكبيرَ مِن أخطارِ التدخينِ، فلا مجالَ مطلقاً للحديثِ عن إباحتِه، لأن النبيَّ عليه الصلاةُ والسلامُ أرسلَه اللهُ رحمةً للعالمينَ، ليُحِلَّ لهم الطيباتِ، ويحرِّمَ عليهم الخبائثَ.
فهل مِن عاقلٍ واحدٍ يمسكُ سيجارةً ويدخِّنها، وقبلَ أنْ يشربَها يقولُ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، وبعدَ أنْ يشربَها يقول: الحمدُ لله، اللهمَّ زِدْنا مِن هذه النعمِ؟! هذا مستحيلٌ، إذاً هذا دليلٌ فطريٌّ على أنّ الدخانَ خبيثٌ، يقول الله عز وجل: