هذا التوازنُ الذي حقّقه اللهُ سبحانه وتعالى في الكونِ شيءٌ يلفتُ النّظرَ، ويدعو إلى الدّهشةِ، فالأسماكُ مثلاً لولا أنّ كبيرَها لا يأكلُ صغيرَها لطَفَتْ على مياهِ البحرِ، ولأصبحَ البحرُ بحراً من السّمكِ، لا بحراً من الماءِ، وكذا الحشراتُ، فقد جعَلَ اللهُ تنفّسَها عن طريقِ أنابيبَ، لا عن طريقِ الرئةِ، ولأنّ تنفّسَها عن طريقِ الأنابيبِ فلا تنمو أكثرَ مِن حجمِها الذي تروْنَهُ، ولو كان لها رئتان لأصبحَت بِحَجمٍ كبيرٍ، ولأهلكَتِ الإنسانَ، فالحشراتُ لها حدّ تقفُ عنده، والنباتاتُ لها حدٌّ تقفُ عنده، والحيواناتُ لها حدٌّ تقفُ عنده، والأسماكُ لها حدٌّ تقفُ عنده، والجسْمُ البشريُّ فيه حدودٌ، وفيه مقاييسُ، وفيه ضوابطُ، وفيه موازينُ.
لو دقَّقتم في خلقِ السَّماواتِ والأرضِ لرأيتم العجبَ العُجابَ، قال سبحانه وتعالى: ﴿والأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ﴾ [الحجر: ١٩].
فهذا النباتُ موزونٌ، قيمُه الغذائيّةُ موزونةٌ، حجمهُ موزونٌ، نموُّه موزونٌ، تكاثرهُ موزونٌ، لولا هذا الشيءُ الموزونُ لأهلكَ اللهُ الإنسانَ بهذا النموِّ العشوائيِّ، وما حادثةُ هذا النوعِ من الصَّبّارِ إلاّ دليلٌ واضحٌ على أن الله تعالى قد خَلَق كل شيءٍ بقدَرٍ.
هذه الآياتُ التي تسمعونها، أو التي تروْنها، أو التي تقرؤونها، لا تجعلوها تمرُّ هكذا مروراً عابراً دون أنْ تقفوا على حقيقتِها، وعلى عظمةِ خالقِها، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض واختلاف اليل والنهار لآيَاتٍ لأُوْلِي الألباب * الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأرض رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩٠-١٩١].
عدد الخلايا وأعمارها


الصفحة التالية
Icon