ثم إنّ الكونَ بمجرّاتِه وكازاراتهِ، بكواكِبه ومذنّباتِه، بالمسافاتِ البَيْنِيةِ، والسرعاتِ الضوئيةِ، بحجومِ النجومِ، بدورانِها، وتجاذبِها، وإنّ الأرضَ بجِبالِها، ووديانِها، وسهولِهَا، وقفارِها، ببحارِها، وبحيراتِها، بينابيعِها، وأنهارِها، بحيواناتِها، ونباتاتِها، بأسماكِها، وأطيارِها، بمعادنِها، وثرواتِها، وإنّ الإنسانَ بعقلِه، وعاطفتِه، وأعضائِه، وأجهزتِه، بفطرتِه، وطباعِه، بزواجِه، وذريّتِه؛ هذه كلُّها معجزاتٌ، وأيّةُ معجزاتٍ، وبكلامٍ مُجمَلٍ: الكونُ بسماواته وأرضِه هو في وضْعِه الراهنِ، من دونِ خرْقٍ لنواميسِه، ومن دونِ خروجٍ عن نظامِه، هو في حدِّ ذاتِه معجزةٌ، وأيّةُ معجزة! والدليلُ قولُه تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض واختلاف اليل والنهار لآيَاتٍ لأُوْلِي الألباب * الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأرض رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩٠-١٩١].
غيرَ أنّ الإنسانَ لانهماكِه بمشاغلِه، وغفلتِه عن خالقِه، ولطُولِ أُلْفَتِهِ لِمَا حولَه ينسَى وجْهَ الإعجازِ في الكونِ، ويغفلُ عن عظمةِ الخالقِ فيما خَلََقَ، فيحسبُ جهلاً منه، وغروراً أنّ المعجزةَ هي تِلْكُمُ التي تخالِفُ ما أَلِفَه واعتادَه، ثم يمضي هذا الإنسانُ الجاهلُ فيتّخذُ ممّا أَلِفَه واعتاده مقياساً لإيمانِه بالأشياءِ، أو كفْرِه بها، وهذا جهلٌ عجيبٌ في الإنسانِ، على الرّغمِ مِن ارتقائِه في مدارجِ المَدَنيَّةِ والعلمِ، فتأمّلٌ يسيرٌ مِن الإنسانِ يوضحُ له بجلاءٍ أنّ الخالقَ جلّ وعلا الذي خَلَق هذه الكونَ المعجزَ ليس عسيراً عليه أنْ يزيدَ فيه معجزةً أخرى، أو أن يبدِّلَ، أو أن يغيِّرَ في بعضِ أنظمتِهِ التي خلَق العالَمَ وَفْقَهَا.