فمَن تجاوزَ الحدَّ في الطعامِ والشّرابِ أتَاه شهرُ الصّيامِ ليُصلحَ ذلك الخطأَ والاعوِجاجَ، والتعفّناتِ التي في جهازِ الهضمِ، وليُصلحَ الوزنَ الذي زادَ على حدّهِ الطبيعيِّ، وإنّ الأغلاطَ التي يرتكبُها الإنسانُ في السَّنَةِ يأتي الصّيامُ لِيَضَعَ لها حدَّاً، أمّا إذا كان الإنسانُ مطبِّقاً للسُّنّةِ النبويّةِ فشهرُ رمضانَ يزيدهُ صحَّةً ونشاطاً، وفي كتابِ "إحياء علومِ الدينِ" عَقَدَ الغزالي فصلاً، أو باباً كبيراً عن فضائلِ الجوعِ، فقال: "الخيرُ كلُّه مجموعٌ في خزائنِ الجوعِ، وليس المقصودُ به الجوعَ الشديدَ، ولكنَّه الاعتدالُ في الطعامِ والشرابِ، لأنَّ البِطْنةَ تُذهِبُ الفِطْنةَ، وإنّ كثْرةَ الطعامِ، وإدخالَ الطعامِ على الطعامِ، وإكثارَ الوجباتِ؛ هذه تصيبُ الإنسانَ بالكسلِ، والخمولِ، والركودِ، والأمعاءَ بالتعفّنِ، والقلبَ بالإرهاقِ"، حينها يأتي شهرُ الصّيامِ ليُجدِّدَ الصّحةَ، فجسمُكَ مِطيَّتُكَ في هذه الدنيا، لنا عُمُرٌ محدودٌ، ولكنْ إمّا أنْ نمضيَه واقفين نشيطين، وإمّا أنْ نمضيَه مسْتلقين على أسرّتِنا، وشتّانَ بين الحالتين، ولا يتّسع المقامُ للحديثِ عن فوائدِ الصّيامِ.
وقد رُوِي: "صُومُوا تَصِحُّوا".
ومعنى الصحّةَِ هنا الوقايةُ من الأمراضِ؛ إنّك إذا أدَّيْتَ صيامَ هذا الشهرِ على التمامِ والكمالِ فقد وقيْتَ جسْمَك من الأمراضِ الوبيلةِ التي لا قِبَلَ لك بها، ولكنْ هذا الذي يمتنعُ عن الطّعامِ والشّرابِ في النهارِ، فإذا جلسَ إلى المائدةِ أَكَلَ أَكْلَ الجمالِ، هذا لمْ يحقّقِ الهدفَ من الصّيامِ، فلا بدّ مِنَ الاعتدالِ في الطعامِ والشرابِ، في أيّامِ الصّيامِ، أمّا إذا جعلتَ الوجباتِ الثلاثَ النهاريّةَ في رمضانَ ليليّةً!! فمَاذا حقَّقْتَ؟ إنّ وجبةً دسِمَةً معَ الإفطارِ تجعلهُ يقعدُ فلا يقومُ، وعند منتصفِ الليلِ وجبةٌ أخرى، وعند السّحورِ وجبةٌ أخرى، فهذا قَلَبَ وجباتِ النهارِ إلى وجباتٍ ليليّةٍ، وما فعَلَ شيئاً، فقد بقيَتِ الأمراضُ والإرهاقاتُ كما هيَ.
الصيام دورة وقائية وعلاجية


الصفحة التالية
Icon