فمِن نِعَمِ اللهِ عز وجل أنَّ هذا الطعامَ الذي هو سببٌ في بقاءِ حياتِك طيِّبُ المذاقِ، فهناك الحاجةُ إلى الطَّعامِ بِدافعِ الإحساسِ بالجوعِ، وهناك لذَّةُ الطَّعامِ، فقد يستكملُ الإنسانُ حاجتَه إلى الطعامِ بِسائِلٍ يُحْقنُ في دَمِهِ، ولكنّ اللهَ عز وجل تفضّلَ علينا فجَعَل هذا الطَّعامِ ذا طَعمٍ لذيذٍ، فشَهوةُ الطَّعامِ وسيلةٌ، فإذا جعَلَها الإنسانُ غايةً اضْطربَ الجِسمُ، وثمةَ أُناسٌ كثيرون عن سوءِ تقْديرٍ منهم، أو عن ضَعفٍ في إرادتِهم يَجعلونَ شَهوةَ الطَّعامِ غايةً، وإذا أصبحَ الطعامُ غايةً يتعطَّلُ ما يُسَمِّيه العلماءُ الجرسَ الخفيَّ، الذي يدقُّ حين الجوعِ فقط! فتتعطَّلُ وظيفةُ هذا الجرسِ، فالمعدةُ كما قال عنها العلماءُ: "تتمدّدُ مراتٍ عديدةً، فَمِن حجمٍ ابتِدائيٍّ مئتين وخمسين سنتمتراً مكعّباً، إلى ألفين وخمسمئة سنتمترٍ مكعّبٍ"، فحينما تتمدّدُ المعدةُ يُصبحُ الطَّعامُ هدفاً؛ وعندها نعيشُ لِنَأكلَ! هذا تمهيدٌ.
وهناك حقيقةٌ عجيبةٌ جدّاً، ولكنَّها ثابتةٌ على نحْوٍ قاطِعٍ، وهي أنَّ آلياتِ تعاملِ الأبدانِ مع الطَّعامِ تسْتوْجِبُ الصِّيامَ، فقد خلَقَ المولى جلّ وعلا الأبدانَ على نحْوٍ يُهَيِّئ التعاملَ مع مركباتِ الطعامِ وَفقاً لآليَّةٍ تسيرُ بانتظامٍ وتوافقٍ في ثلاثِ مراحلَ، وهذا بحثٌ مهمّ جدّاً.
المرحلةُ الأولى: مرحلةُ هضْمِ الطعامِ في المعدةِ والأمعاءِ، ثمّ الامتصاصُ والتَّمثيلُ، وتحويلُ الطعامِ إلى سكّرٍ يسري في الدِّماءِ، وإلى موادّ أخرى مُرَمِّمةٍ يستخدمُها الجسمُ لإطلاقِ الطاقةِ، وبِناءِ الأنسِجَةِ.
المرحلةُ الثانيةُ: مرحلةُ تخزينِ الفائضِ من الطاقةِ، التي تزيدُ على حاجةِ الجسمِ، فالسُّكَّرُ الفائضُ يُخَزَّنُ في الكبدِ، والعضلاتِ على نشاءٍ حيواني، ويُخَزَّنُ الفائضُ الدُّهنيُّ في معظمِ أنحاءِ الجسمِ.
فالأُولى هضمٌ، وامتصاصٌ، واستهلاكٌ، والثانيةُ تخزينٌ.