فَسَّرَ علماءُ الحديثِ هذه البركةَ بمعنيين؛ إمّا أنها بركةٌ في الدنيا، وإمّا أنّها بركةٌ في الآخرةِ، فهذا الذي يستيقظُ ليتناولَ طعامَ السَّحور ربما صلَّى الفجرَ في المسجدِ، وربما سمعَ آيةً بعد صلاةِ الفجرِ تركتْ أثراً بليغاً في نفسِه، وربما ذَكَرَ اللهَ خالياً ففاضتْ عيناه بالدموعِ، ربما تلا القرآنَ فكان ربيعَ قلبِه، جاءه كلُّ هذا الخيرِ مِن استيقاظِه ليتناولَ طعامَ السَّحورِ، إذاً هذه بركةُ الآخرةِ.
أمّا بركةُ الدنيا، فإذَا تناولَ الصائمُ طعامَ السَّحورِ، وكان مِن أصحابِ الأعمالِ الشاقَّةِ أَمْكَنَه أنْ يتابِعَ الصيامَ، بالحدِّ الأدنَى مِن المشقَّةِ، فهذا الجسَدُ يحتاجُ إلى وقودٍ، ووقودُه الطعامُ، فتناولُ طعامِ السَّحورِ مِنَ السُنَّة.
ومِنَ السُّنَّةِ أيضاً تأخيرُ السَّحورِ، أمّا هذا الذي يسهرُ إلى منتصفِ الليلِ، فيتناولُ السَّحورَ، ثم ينامُ فقد ضيَّعَ عليه صلاةَ الفجرِ، وضيَّعَ عليه سنةَ تأخيرِ السَّحورِ، فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الإِفْطَارَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ".
الشيءُ الذي يجبُ أنْ يُؤَكَّدَ لكم أنّ الإنسانَ إذَا تناولَ طعامَ السَّحورِ، وآوى إلى فراشِه مباشرةً، ربما ساءَ هضمُه، وربما أصابَتْهُ بعضُ الوَعكاتِ الصحيةِ المتعلقةِ بغذائِه، فلا بدَّ من وقتٍ كافٍ بين تناولِ طعامِ السَّحورِ والنومِ، هذا الوقتُ يجبُ أنْ تمضيَه في قراءةِ القرآنِ، وفي الصلاةِ، وفي الذكرِ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اله عليه وسلم: تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ".
لذلك ينهَى الأطباءُ أنْ تأويَ إلى الفراشِ بعدَ تناولِ طعامِ السَّحورِ.