هذا هو خلْقُ اللهِ، في أماكنِ الجفافِ، في أماكنِ الأمطارِ القليلةِ، حيث الحاجةُ إلى نباتاتِ تتحمَّلُ الجفافَ، تكون جذورُها ذاتَ وضْعٍ خاصٍّ، إنّها تضربُ في أعماقِ التربةِ إلى ما يزيدُ على سبعة عشر متراً، كي تأخذَ الرّطوبةَ من الأرضِ، إنّ لهذه النباتاتِ زغاباتٍ تلتقِطُ الرّطوبةَ من الجوِّ، ﴿هاذا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ﴾ [لقمان: ١١] ؟ بذورٌ لها أجنحةٌ، وبذورٌ لها زغاباتٌ، وبذورٌ لها غلافٌ عازلٌ للماءِ، وبذورٌ لها أشواكٌ، وبذورٌ فيها مادّةٌ لاصقةٌ، وبذورٌ مودَعَةٌ في كيسٍ ينفجِرُ في بعضِ الأحيانِ، وبذورٌ تضرِبُ جذورُها في أبعادٍ كبيرةٍ كي تأخذَ الرّطوبةَ.
إنّ البذارَ وحدهُ آيةٌ كبرى مِن آياتِ اللهِ تعالى على عظمتِه.
البذور وتحملها لعوامل التعرية
إنّ من آياتِ اللهِ الدالةِ على عظمتِه أنَّك ترى الأرضَ قاحلةً جرْداءَ، وترى الأرضَ تراباً، وتَمضِي عليها سنواتٌ تلْو سنواتٍ، سنواتٌ سبعٌ، أو سنواتٌ عشرٌ، ولا ترى في هذه الأرضِ إلا الرّمالَ، ولا ترَى في هذه الأرضِ إلا الترابَ، فإذا جاءتْها الأمطارُ الغزيرةُ أنْبتَتِ النباتاتِ، والأزهارَ، والأعشابَ ما تحارُ فيهِ العُقولُ! ألَمْ يخْطُر بِبَالِكَ هذا السّؤالُ: هذه السنواتُ العشرُ التي كانت فيها الأرضُ جرداءَ، مِن أين جاءتْها البذور، فأنبتَتْ هذه النباتاتِ؟ سؤالٌ وجيهٌ، لا أحَدَ أَلْقَى فيها البذورَ، لقد تحوَّلتْ مِن أرضٍ قاحلةٍ إلى جنةٍ خضراءَ، مَنْ ألقى فيها البذورَ؟ وإذا كانتْ قد أُلقِيَتْ فيها البذورُ من قبلُ فلماذا لم تمُتِ البذورُ؟ هنا السؤال، وهنا الآية.
على حينِ أنّ الصّخورَ الصلبةَ القاسيَةَ تتأثّرِ بِعَواملِ التعريَةِ، وعواملُ التعريَةِ: الرّياحُ، والأمطارُ، والحرُّ، والقرُّ، هذه تجعلُ الصّخورَ تراباً، وتفعلُ فعْلَها في الصّخورِ، وتفعلُ فعْلها في الجبال، وتفعلُ فعْلَها في مجاري الأنهارِ، وهذه البذورُ التي أَوْدَعَها اللهُ في الأرضِ ألا تؤثِّرُ فيها عواملُ التعريَةِ؟