مثَلٌ قريبٌ، وقريبٌ جدّاً؛ لقد جهَّزَ اللهُ سبحانه وتعالى المَعِدةَ بِحمْضٍ من أشدِّ الحموض تأثيراً، إنَّه حمضُ كلورِ الماءِ، إذا تناولْتَ لَحماً مِن أقسى اللّحوم، فإنّ هذا الحمضَ الذي في المعِدَةِ كفيلٌ بأنْ يجعلهُ سائلاً كالحليبِ، وهناك تجارِبُ أُجْرِيَتْ، إذْ وُضِعَتْ قطعةٌ من اللّحم القاسي في كُرةٍ مثقّبةٍ، وأُطْعِمَتْ لبعضِ الحيواناتِ، وبعدَ أنْ ذُبِحَ الحيوانُ، والْتُقِطَت الكرةُ لم يَجِدِ العلماءُ اللّحمَ الذي كان فيها، فقد نفذتِ العُصاراتُ الهاضمةُ إلى الكرةِ الحديديّةِ، وأذابَتِ اللّحمَ، يا تُرَى عمليّةُ الهضْمِ أساسُها حركةٌ ميكانيكيّة، أم أساسُها عصاراتٌ كيماويّةٌ؟ كلاهما، ولكنْ إذا اسْتعَصَى طعامٌ على الهضمِ الميكانيكيِّ تأتي العصاراتُ الكيمياويّةُ فتجعلهُ كَيلوساً، والكَيْلوسُ هو السائلُ، فكلُّ الأطعمةِ التي تأكلُها مهما تكن صلبةً، بِفِعل هذه الخمائرِ، وهذه الأحماضِ، فإنها تغْدو سائلاً سهلاً صالحاً للامتِصاصِ، ومع ذلك فإنّ أنواعاً كثيرةً مِنَ البذورِ تأكلُها مع الفواكهِ تخرجُ كما دخَلَتْ، ولا تستطيعُ العواملُ الميكانيكيّةُ في المعدةِ، ولا العواملُ الكيماويّةُ أنْ تؤثّرَ فيها، وهذه آيةٌ من آياتِ الله عز وجل؛ فإنّ اللهَ عز وجل زوَّدَ البُذورَ بِحَصانةٍ تجعلُها في منجاةٍ من أيِّ تأثيرٍ ميكانيكيٍّ، وأيِّ تأثيرٍ كيماويٍّ، هذه آيةٌ من آياتِ الله عز وجل، ولا تنْسَوا أنَّه قد اسْتَخرجَ العلماءُ من الأهراماتِ المصريّةِ قمحاً خُزِّنَ فيها قبلَ سِتَّة آلافِ عامٍ! وزُرِعَ القمحُ ونبتَ! فهذا الرُّشَيْم الصغيرُ الحسّاسُ الذي أوْدَعَ اللهُ فيه الحياةَ، وزوَّدَهُ بِقِشْرةٍ رقيقةٍ، وفي هذه القشْرة غذاؤُه، وزوَّدَهُ بِسُوَيقٍ وجُذَيرٍ، هذه الحياةُ الدقيقةُ اللطيفةُ التي أوْدَعَهَا اللهُ في الرُّشَيمِ بقِيَتْ سِتَّة آلاف عامٍ دون أن تُمسَّ بأذى، قال تعالى: ﴿هاذا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ بَلِ الظالمون فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ [لقمان: ١١].
قشرة القمح (النخالة) وفائدتها الصحية


الصفحة التالية
Icon