أحْدَثُ البحوثِ العلمية توصَّلتْ إلى أنَّ في البقرةِ غدةً ثدييةً، هذه الغدةُ الثدييةُ مقسمةٌ إلى فصوصٍ، وهذه الفصوصُ مقسمةٌ إلى فصيفصاتٍ، وهذه الفصيفصاتُ مقسمةٌ إلى أجوافٍ صغيرةٍ هي الأسناخُ، وهي محاطةٌ بغشاءٍ من الخلايا، حولَ هذه الخلايا شعيراتٌ دمويةٌ، تأخذُ الخلايا مِن الدمِ ما تحتاجُ إليه، وتفرزُ الحليبَ في جوفِ هذا التجويفِ، ينتهي هذا الجوفُ بقناةٍ، إلى حوضِ الغدةِ، ثمَّ إلى حوضِ ثديِ البقرةِ، ثمَّ إلى حُلمتِها.
ولكن حتى هذه الساعةِ لا تُعرَفُ طبيعةُ عملِ هذه الخليةِ، التي تأخذُ من الخارجِ ما تحتاجُ من الدمِ، وتفرزُ الحليبَ في باطنِها.
قال العلماءُ: إنّ ثلاثمئة حَجْمٍ، إلى أربعمئةِ حجمٍ من الدمِ يسيرُ حولَ هذه الأسناخِ، من أجلِ تحصيلِ حجمٍ واحدٍ من الحليبِ، أَيْ كلُّ لترٍ من من الحليبِ مصنَّعٌ من ثلاثمئة، أو أربعمئة لترٍ من الدمِ، يجولُ حوْلَ هذه الشَّعْرِيَّاتِ، فالبقرةُ معملٌ ضخمٌ، ﴿مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً﴾ [النحل: ٦٦].
الشيءُ الذي يدعو إلى العجبِ أنه لم يُعرَفْ حتى الآن كيف تعملُ هذه الخليةُ، تأخذُ من الجهةِ الوحشيةِ، من شعرياتِ الدمِ: الموادَّ، والفيتاميناتِ، والمعادنَ، والبروتيناتِ، والسكرياتِ، والدسمَ، والماءَ، تخلطُها، وتفرزُ من الداخلِ الحليبَ، إذْ تنتِجُ البقرةُ الواحدةُ تقريباً من ثلاثين إلى أربعين كيلو غراماً من الحليبِ في اليوم الواحد، وكل كيلو هو محصّلةُ دورانِ ثلاثمئة لترٍ من الدم.
في هذه الشعرياتِ ثلاثمئة حجمٍ، إلى أربعمئة حجم لتصنيعِ لترِ حليبٍ واحدٍ، فلما قال ربُّنا تعالى: ﴿نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل: ٦٦] فقد أشار إلى آيةٍ عظمى دالّةٍ على عظمته سبحانه وتعالى.