إنَّ نبضَاتِ القلبِ الاستثنائيةَ بعدَ الذبحِ - مِن خلالِ وجودِ علاقةٍ بين المخِّ والقلبِ - تدفعُ الدمَ كلَّه إلى خارجِ الجسم، فيصيرُ الحيوانُ المذبوحُ طاهراً ورديَّ اللون، ومعلومٌ أنَّ مهمّةَ القلبِ عندَ ذبحِ الحيوانِ هي إخراجُ الدمِ كلِّه من جسم الدابّةِ، والنبضُ الطبيعيُّ لا يكفِي لإخراجِ الدمِ كلِّه مِن جسمِ الذبيحةِ، فإذَا قُطِعَ رأسُ الذبيحةِ بالكاملِ حُرِمَ القلبُ من التنبيه الاستثنائي الكهربائي الهرموني الذي يُسْهِمُ في إخراج الدم كلِّه مِن الذبيحةِ، عندئذ يبقى دمُ الدابَّةِ فيها، ولا يخفى ما في ذلك مِن أذىً يصيبُ آكِلِي هذه الذبيحةِ، فإذا بقيَ دمُ الدابّةِ فيها كان خطراً على صحّةِ الإنسانِ، لأنّ الدمَ في أثناءِ حياةِ الدابّةِ يُصفَّى عن طريقِ الرئتين والكليتين والتعرقِ، أما بعدَ الذبح فيصبحُ الدمُ بيئةً صالحةً لنموِّ الجراثيمِ الفتّاكةِ، حيث تسري الحموضُ السامَّةُ التي تؤذِي الإنسان بسبب وجودِها في جسم الحيوانِ، وبهذا يتسمَّمُ اللحمُ كلُّه، وبوجودِ حمضِ البولِ في الدمِ، وبوجودِ الدمِ في اللحمِ يسري هذا كلُّه إلى آكلِ هذه الذبيحةِ، فإذا أكلَ الإنسانُ هذا اللحمَ فإنه يعاني من آلامٍ في المفاصلِ، لأن حمضَ البولِ يترسَّبُ في تلك المفاصلِ ولذلك فتذكيةُ الذبيحةِ تطهيرُها بخروجِ الدمِ منها، ولا يخرجُ الدمُ كلُّه مِن الذبيحةِ إلا إذا بَقِيَ الرأسُ متّصلاً بالذبيحة.
مَن أنبأَ النبيَّ ﷺ بهذه الحقائقِ التي اكتُشِفَتْ قبَلَ حينٍ، حيثُ أَمَرَ أصحابَه بقطعِ أوداجِ الدابّةِ دونَ قطعِ رأسِها، كما تفعلُ معظمُ المسالخِ في العالَمِ غير الإسلاميِّ؟
إنّ هذا الحديث الشريف مِن دلائلِ نبوَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. إنَّ كلَّ شيءٍ حرَّمهُ اللهُ علينا إنما حرَّمه لأنّه عليمٌ خبير، قال تعالى: ﴿وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤]، ولأنه خَلَقَنَا، وهو أعلمُ بما ينفعنا، فمَن خَالَفَ أمْرَ اللهِ عزَّ وجل فعليه أنْ يدفعَ الثمنَ.