إنّ تغييرَ خَلْقِ اللهِ صفاتِ أهلِ الدنيا، ومن صفاتِ الشاردين عن الله، هناك حكمةٌ بالغةٌ، هناك توازنٌ دقيقٌ بين الكائناتِ، الحيواناتِ، والنباتاتِ، بين الحيوانِ والنباتِ، وبين النباتِ والإنسانِ، فأيُّ خللٍ يصيبُ البيئةَ دفَعْنَا ثمنَه باهظاً.
نقار الخشب
معلوماتٌ لا تُصدَّقُ؛ طائرٌ من الطُّيورِ التي أَبْدَعَها اللهُ سبحانه وتعالى اسمُه نقّارُ الخشبِ، لا شكّ أنّ معظمَ الناسِ يسمعُ به، ولكنّنا إذا دقّقْنا في بُنيةِ هذا الطائرِ رأَيْنا في صَنعتِه إحكاماً يفوقُ حدَّ الخيالِ، له مِنقارٌ قويٌّ متينٌ، يقاوِمُ قُوى الضّغطِ، ومتين يقاومُ قُوى الشدِّ، قويٌّ متينٌ يعمل تماماً كأداةٍ لِخَرقِ الخشبِ؛ إنّه مِثْقب.
هذا المِنقارُ مصنوعٌ من تركيبٍ عجيبٍ، في قوّةٍ، ومتانةٍ، ومرونةٍ، وعضلاتُ رقبةِ هذا الطائرِ قويّةٌ شديدةٌ؛ لأنّ قوّةَ العضلاتِ، وشِدَّتَها ضروريتان لِتَأمينِ ضرباتٍ إيقاعيّةٍ قويةٍ للمنقارِ الذي يعملُ به كأنّه إزميل، كيف يخرقُ الخشبَ؟ يقفُ على شجرةٍ، ويثقبُها إلى أنْ يصلَ إلى لبِّها، وقد يكونُ في اللبِّ حشرةٌ أو دودةٌ فيَصِلُ إليها، ويأكلُها، أمّا كيفَ يعرفُ هذا الطائرُ أنّ هذه الحشرةَ في المكانِ المحدَّدِ، فهذا شيءٌ لا يعلمهُ أحدٌ حتى الآن.
ولا بدّ له من جُمجمةٍ سميكةٍ، ولكنّها أُعْطِيَتْ مرونةً بأربطةٍ دقيقةٍ متعامدةٍ، ولا بدّ لهذا الطائرِ مِن مُخمِّدٍ للصّدماتِ، كما هي الحالُ في أحدثِ الآلاتِ، هذه المخمِّداتُ للصّدماتِ نسيجٌ ثخينٌ جدّاً بينَ المنقارِ والجمجمةِ.
ولا بدّ له من لسانٍ رفيعٍ طويلٍ بِطولِ المنقارِ، ينتهي بِسَطحٍ خشِنٍ، عليه مادّةٌ لزِجةٌ، من أجلِ أنْ يصطادَ حَشَرَتَه المفضّلةَ.
ولا بدّ له من أرجلٍ قصيرةٍ قويّةٍ، لا تُشبِهُ الأرجلَ النحيلةَ لِمُعظمِ الطُّيورِ، لأنّه سيَسْتَنِدُ عليها، وبِحَسبِ استنادِه عليها سيكونُ ضرْبُهُ في الخشبِ قويّاً، ولا بدّ له من أصابعَ كالملزمةِ تماماً؛ اثنتان في المقدّمةِ، واثنانِ في المؤخّرةِ، فهي كمَّاشةٌ كاملةٌ تُعينهُ على التعلّقِ المتينِ بلِحاءِ الشَّجرِ.