لا بدّ أنْ يكونَ في رأسِ الطيورِ ساعةٌ، لأنَّ الطيورَ تهاجرُ في الوقتِ ذاتِه من كلّ عامٍ! فما الذي يخبِرُها أنَّه قد آن الأوانُ؟ لا بدّ مِن ساعةٍ زمنيّةٍ في رأسٍ كلّ طيرٍ، قال بعضُ العلماءِ: "للطيورِ قوّةٌ خارقةٌ لقطعِ المسافاتِ التي تقومُ بها، ولا يوجدُ مخلوقٌ على وجهِ الأرضِ أقوى من الطيرِ في قطعِ المسافاتِ الشاسعةِ، لحكمةٍ أرادَها اللهُ سبحانه وتعالى".
ومِن أعجبِ العجبِ أنَّ الطيورَ التي تستعدُّ لقطعِ مسافاتٍ طويلةٍ تزيدُ على عشرينَ ألفَ كيلومترٍ، تُخزِّنُ الدهونَ في جسمِها قَبْلَ أنْ تسافِر، حيث يصبحُ وزنُ بعضِ الطيورِ مضاعفاً بسببِ الدُّهنِ المخزَّنِ في جسمِها، لتستعملَه وقوداً لها في رحلتِها الطويلةِ الشاقَّةِ.
لقد ظنَّ بعضُهم أنَّ بعضَ الظواهرِ الجُغرافيةِ، مِن أنهارٍ، مِن بحارٍ، مِن سواحلَ، مِن جبالٍ، يهتدي بها الطيورُ، ولكنْ هذه نظريةٌ ثَبَتَ بطلانُها، لأنّ الطيورَ تطيرُ ساعاتِ الليلِ كلَّها، وفي الأيامِ المظلمةِ، ولا ترى شيئاً، ومع ذلك لا تحيدُ عن هدفِها.
وقال بعضُهم: لعل في الطيورِ رائحةَ شمٍّ نفَّاذةً، وقد أثبتَ العلمُ عكسَ ذلك.
وقالوا: تهتدي بالشمس، فأُجريَتْ تجارِبُ، وعزلوا الطيرَ عن أشعّةِ الشمسِ فسارَ في الاتّجاهِ الصحيحِ.
وقالوا: تساعده القبّةُ السماويّةُ، عزلوه عن القبّةِ السماويّةِ، فسار في خطِّه المعتادِ.
وقالوا: يسجّلُ الطائرُ في أعماقِه انعطافاتِ الرحلةِ في الذهابِ، فوضعوه على قرصٍ يدورُ كي تضيعَ هذه الانعطافاتُ، فما أفلحوا.
وطَرَحَ بعضُهم تفسيراً لهذه النظريةِ، ولكن العلماءَ المُحْدَثين اكتشفوا أنّ في رأسِ الطائرِ نسيجاً لا يزيدُ حجمُه على نصفِ ميليمترٍ مربعٍ، مُؤَلَّفاً مِن موادَّ تتأثّرُ بالمغناطيسيةِ الأرضيةِ، وحينما رَكَّبوا بعضَ الوشائعِ، وعَكَسُوا تيارَ الكهرباءِ فيها ارتدَّ الطيرُ إلى الوراءِ، وعَكَسَ اتِّجاهَه، ما هذا النسيجُ الذي بين العينِ والمخِّ في الطائرِ؟ إنّه يتحسّسُ بالساحةِ المغناطيسيةِ الأرضيةِ؟.