هذه الآياتُ التي بثّها اللهُ في الأرضِ من أجلِ أنْ نعرفَ عظمَتَه، وعلْمَهُ، ورحمتَه، وخبرتَه، وقدرتَه، وغناه، قال تعالى: ﴿وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء﴾ [فاطر: ٢٨].
قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض واختلاف اليل والنهار لآيَاتٍ لأُوْلِي الألباب * الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأرض رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩٠-١٩١].
فعلى المرءِ أنْ يتفكّرَ قائماً كان أم قاعداً، في بيتِه أم مع أصحابِه، ليتفكر في خلْقِه، وفي نفسِه، وفي ولدِه، وحاجاتِه، في لباسِه، في خيطِ الصوفِ، وخيطِ الحريرِ الذي لم يستطعْ تقليدَه.
النحل آية عظمى
إنّ النحلَ آية مِن آياتِ اللهِ الباهرةِ الدالَّةِ على عظمته، قال تعالى: ﴿وأوحى رَبُّكَ إلى النحل أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتاً وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ [النحل: ٦٨].
هذه الياءُ في قولهِ: ﴿اتخذي﴾ ياءُ المُؤَنَّثةِ المخاطبةِ، وكأنّ الآيةَ مُنْصَبَّةٌ على الإناثِ حصراً دون الذكورِ، قال تعالى: ﴿وأوحى رَبُّكَ إلى النحل أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتاً وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات فاسلكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٦٨-٦٩].
إنّ النحلَ هو الحشرةُ الوحيدةُ التي تستطيعُ تخزينَ رحيقِ الأزهارِ مِن أجلِ الغذاءِ، وهي إضافةً إلى بنائِها لخلايَاهَا، وتصنِيعِها للشّمعِ والعسلِ، فإنها تقومُ بعملٍ جليلٍ، هو تلقيحُ الأزهارِ، ودونَ تدخُّلِ النحلِ فإنّ عدداً كبيراً مِن النباتاتِ لا يُثمِرُ.
والنحلُ مِن الخلايا ذاتِ النظامِ الاجتماعيِ الدقيقِ المُحكَمِ، الذي تعجزُ عن تقليدِه أرقى المجتمعاتِ البشريةِ.