إنّ النحلَ خُلِقَ على نظامٍ اجتماعيٍّ مُعْجِزٍ، فيه أعلى درجاتِ التعاونِ، وفيه أعلى درجاتِ التنظيمِ، وفيه أعلى درجاتِ الاختصاصِ، وفيه أعلى درجاتِ المرونةِ تحقيقاً للمصلحةِ العامّةِ، ولكن بأمرٍ تكوينيٍّ لا بأمرٍ تكليفيٍّ، فكان من آياتِ اللهِ الدالةِ على عظمتِه مجتمعُ النحلِ، إنّه العسلُ الذي هو محورُ حديثِنا.
بادىء ذي بدءٍ من الآياتِ التي تنضوي تحتَ الإعجازِ في القرآنِ الكريمِ، أو ما يُسمِّيه بعضُ علماءِ القرآنِ السَّبْقَ العلميَّ في القرآنِ الكريمِ، هو أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى ذَكَرَ أنَّ العسلَ شفاءٌ للناسِ، قال تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ﴾ [النحل: ٦٩]، وحينما نَزَلَ القرآنُ الكريمُ لم يكن العسلُ في نظرِ الناسِ إلا قيمةً غذائيَّةً، وليسَت علاجيَّةً، فالقرآنُ أشارَ إلى هذا قبلَ أكثر من ألف وأربعمئة عامٍ.
قد قالَ بعضُ العلماءِ: "إنَّ قيمةَ العسلِ العلاجِيَّةَ أساسُها وجودُ أنزيماتٍ نشيطةٍ، هذه الأنزيماتُ سريعةُ التأثّرِ والتَّلَفِ بالتسخينِ، فلو خُزِّنَ العسلُ شهراً بدرجةِ ثلاثين لفَقدَ معظمَ خصائصِه، ولو خُزِّن بدرجةِ عشرين فوق سنةٍ لَفَقدَ معظمَ خصائصِه، يجب أنْ يحافظَ على وضعِه الطبيعيِّ دون أنْ يُسَخَّنَ، أو يُخزَّن في مَكانٍ حارٍّ".
وحتّى لا يقعَ الإنسانُ في خيبةِ أملٍ وهو يسمعُ قولَه تعالى: ﴿فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ﴾ فإنّه ينبغي أن يُفَرِّقَ بين العسلِ الحقيقيِّ الذي أرادَه ربُّنا، الذي هو جنيُ رحيقِ الأزهارِ، والعسلِ المزيّفِ الذي هو جنيُ الماءِ والسكرِ الذي يوضعُ للنحلِ على مقربةٍ من الخلايا، فإنّ تأثيرَ العسلِ المزيّفِ ضعيفٌ جدّاً، وإلهُ الكونِ يقولُ: ﴿فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ﴾.