أختمُ هذا الموضوعَ بقولِ سيدنا عليّ رضي الله عنه: (انْظُرُوا إِلَى النَّمْلَةِ في صِغَرِ جُثَّتِها، وَلَطَافةِ هيئتِها، لا تكادُ تُنَالُ بِلَحْظِ البصرِ، ولا بِمُسْتَدْرَكِ الفِكَرِ، كيفَ دَبَّتْ علَى أرضِها، وصُبَّتْ علَى رِزْقهَا، تنقلُ الحَبَّةَ إلى جُحْرِها، وتُعِدُّها في مُسْتَقَرِّها، تَجْمعُ مِن حَرِّها لِبَرْدِها، وفي وِرْدِها لِصدْرِها، مكفولةٌ برزْقِها، مَرْزوقَةٌ بِوَسَقِهَا، لا يغفلُها المَنَّانُ، ولا يَحْرِمُها الدَّيَّانُ، ولو في الصفا الوابدِ، والحجرِ الجامدِ، ولو فكَّرتَ في مَجَارِي أَكْلِهَا، فِي عُلْوِها وَسُفْلِها، وما في الجوفِ مِن شَرَاسِيفِ بَطْنِها، وما في الرأسِ مِن عَينِها وأُذُنِها، لَقَضَيْتَ مِن خَلْقِها عَجَباً، وَلَقِيتَ مِن وَصْفِها تَعَباً، فتعالى اللهُ الذي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا، وَبَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِها، لمْ يُشْرِكْهُ في فِطْرَتِها فَاطِرٌ، ولمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ، لا إِلهَ إلا هوَ، ولا مَعبودَ سواهُ).
البعوضة
مِن آياتِ اللهِ الدالَّةِ على عظمتِه قولُه تعالى: ﴿إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ الله بهاذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين﴾ [البقرة: ٢٦].
إذا وقفَتْ بعوضةٌ على يدك قتلتَها، ولا تشعرْ بشيءٍ، وكأنّ شيئاً لمْ يحدُثْ، لِهَوَانِها عليك، حتى إنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ".
إنّ في رأسِ البعوضة مئةَ عينٍ، ولو كُبِّر رأسُ البعوضةِ بالمِجْهَرِ الإلكترونيِّ لرأينا عيونَها المئةَ على شكلِ خليةِ النحلِ، وفي فمها ثمان وأربعون سنّا، وفي صدرِ البعوضة ثلاثةُ قلوبٍ، قلبٌ مركزيٌّ، وقلبٌ لكلِّ جناحٍ، وفي كل قلبٍ أُذينان وبطينان ودسّامان.