فكلمة (تَرَوْنَهَا) تفيد فيما تفيد أنّ اللهَ جلّ وعلا رفعَ السماواتِ بعمدٍ لا نراها، إنها قُوى التجاذبِ التي تنظِّمُ الكونَ كلّه، بدءاً من الذرَّةِ، وانتهاءً بالمجرَّة.
فالشمسُ مثلاً تجذِبُ إليها الأرضَ بقوةٍ هائلةٍ، إذْ تجري الأرضُ في مَسَار مُغلقٍ حولَ الشمسِ، ولو انعدم جذبُ الشمسِ للأرضِ لخرجت الأرضُ عن مسارِها حولَ الشمسِ، ولاندفعتْ في متاهاتِ الفضاءِ الكونيِّ، حيثُ الظلمةُ والتجمُّدُ، وبزوالِها عن مسارِها، أي بانحرافِها عنه، تزولُ الحياةُ فيها، إذ تصلُ درجةُ حرارتِها إلى مئتين وسبعين درجةً تحت الصفر، وهي درجةُ الصفرِ المُطلقِ التي تنعدمُ فيها حركةُ الذراتِ، قال تعالى:
﴿إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ﴾ [فاطر: ٤١].
ولكي ندركَ قوةَ جذبِ الشمسِ للأرضِ نفترضُ أنّ هذه القوةَ انعدمتْ لسببٍ أو لآخرَ، ومن أجلِ أنْ تبقى الأرضُ مرتبطةً بالشمسِ تجري في مسارٍ حولها، لا بدَّ من أنْ نربطَها إلى الشمس بأعمدةٍ مرئيةٍ من الفولاذِ، والفولاذُ من أمتنِ المعادنِ، ومن أعظمِها تحمّلاً لِقُوى الشدِّ، فالسلكُ الفولاذيّ الذي قطرُه ميليمتر واحد يتحمّلُ من قُوى الشدِّ ما يعادلُ مئةَ كيلو غرام، إننا بحاجة إلى مليون مليونِ حبلٍ فولاذيٍّ، طولُ كلِّ حبلٍ مئةٌ وستة وخمسون مليون كيلو متر، وقطرُ الحبلِ الواحدِ خمسةُ أمتارٍ، والحبلُ الواحدُ مِن هذه الحبالِ يتحمّلُ من قُوى الشدِّ ما يزيدُ على مليوني طنٍّ، فكم هي قوة جذبِ الشمسِ للأرضِ؟ إنها مليونا طنٍّ مضروبةً بمليونِ مليونٍ، ثم لو زرعْنا هذه الحبالَ على سطحِ الأرضِ المقابلِ للشمسِ لفوجئنا أننا أمامَ غابةٍ من الحبالِ الفولاذيةِ، حيث تقلُّ المسافةُ بين الحبلين عن قطرِ حبلٍ ثالثٍ، هذه الغابةُ مِنَ الحبالِ تحجبُ عنا أشعةَ الشمسِ، وتعيقُ كلَّ حركةٍ، وبناءٍ، ونشاطٍ، كل هذه القُوى الهائلةُ من أجلِ أنْ تحرفَ الأرضَ في مسارِها حول الشمسِ ثلاثةَ ميليمتراتٍ كلَّ ثانيةٍ، لقد صدق اللهُ العظيمُ إذ يقول: ﴿الله الذي رَفَعَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾.