الهواء مع الأرض، ومتحرِّك معها، هناك رياحٌ لطيفةٌ، رياحٌ معقولةٌ تبدّلُ الأجواءَ وتنقّيها، وهكذا، ولو كان الهواءُ منفصِلاً عنها في الحركةِ لنشأَتْ عواصفُ سُرعتُها ألفٌ وستّمئة كيلو مترٍ في الساعةِ، وعلماً بأنّ أشدَّ أنواعِ الأعاصيرِ المدمّرةِ لِكلِّ شيءٍ على سطحِ الأرضِ لا تزيدُ سُرعتُها على ثمانمئة كيلو مترٍ، وفي المئتي كيلو مترٍ تكون الرياحُ مدمّرةً، بسرعةِ ثمانمئةِ كيلو مترٍ لا تُبْقِي ولا تَذَرُ شيئاً فوقَ الأرضِ، لو أنّ الهواءَ شيءٌ، والأرضَ شيءٌ، والأرضُ تدورُ لنشأَتْ أعاصيرُ سُرعتُها ألفٌ وستّمئة كيلو مترٍ في الساعة، ولدُمِّرَ كلُّ شيءٍ، ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا﴾.
مَن جعلها ممهَّدَة وهي متحرّكة؟ تبني البناءَ طوابقَ متعدّدةً، لو أنّها اهتزّتْ قليلاً لانهار البناءُ، وتهدَّمت البيوتُ، وتقطَّعَت الجسورُ، ولَرُدِمَت التُّرَعُ، مَن جعلها مستقرّةً؟ ولكي لا تبقى في غفلةٍ أيُّها الإنسانُ، جعلَ الزلازلَ أنموذجاً، بعضُها يجعلُ الأرضَ عاليَها سافلَها، في ثوانٍ معدودةٍ، فتُصبحُ المدنُ تحتَ أطباقِ الثَّرى، ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا﴾.
مَن جعلَ الأرضَ على مسارِها؟ مَن جعلها تزيدُ من سرعتِها إذا اقتربَتْ من القطرِ الأدنى؟ مَن جعلَ هذه الزّيادةَ تدريجيّةً؛ في تسارع منظّمٍ بطيءٍ، مَن جعلها كذلك؟ يدُ مَنْ أمسَكَتْها أنْ تزولَ؟ إنها يدُ اللهِ سبحانه وتعالى اللطيفِ الخبيرِ، قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا﴾.
من أعطى الأرضَ الحرارةَ المناسبةَ؟ لو أنّها توقَّفت عن الدّوران لأصبَحَت حرارتُها ثلاثمئة وخمسين درجةً في النهار، ومئتين وسبعين درجةً تحت الصّفر في الليل! مَن جعلها في درجاتٍ معتدلةٍ تتوافق مع أجسامنا؟ مَن جَعل الليلَ والنهارَ بِطُولٍ يُساوي حاجاتِنا إلى النومِ والعملِ؟ مَن؟ ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا﴾.


الصفحة التالية
Icon