لمْ يَقُلِ اللهُ عز وجل: وعلى كلّ ضامرٍ يأتين مِن كلّ فجٍّ بعيدٍ، فلو أنّ الأرضَ مسطّحةٌ لكانت كلمةُ (بعيد) أنْسَبَ مِن كلمةِ ﴿عَميِقٍ﴾، ولأنّ الأرضَ كرةٌ، وأنّك كلّما ابْتَعَدْتَ في سطحِ الأرضِ عن نقطةٍ ما انحنى المسارُ، فجاءت كلمة ﴿عَميِقٍ﴾، وكلَّما ابْتعَدْت عن مكّةَ فلا بدّ من أنْ يكونَ المسارُ منحنِياً، فيُصْبِحُ هذا الفجُّ عميقاً، وهو أصحُّ مِن أنْ يوصَفَ بأنّه بعيدٌ، ﴿وَأَذِّن فِي الناس بالحج يَأْتُوكَ رِجَالاً وعلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ﴾.
الجبال
يقولُ ربُّنا سبحانه في القرآنِ الكريمِ: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً﴾ [المرسلات: ٢٧].
ويقول عز وجل: ﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السمآء كَيْفَ رُفِعَتْ * وإلى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ [الغاشية: ١٧-١٩].
ويقول: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا * والجبال أَوْتَاداً﴾ [النبأ: ٦-٧].
نحن مدعوُّون بنصِّ الآياتِ الكريمةِ إلَى النظرِ إلى الجبالِ كيف نُصِبَتْ، فإنّ هذه الآياتِ في القرآنِ الكريمِ تتحدث عن الجبالِ.
الجبلُ وَتِدٌ، ثُلُثَاهُ مغروسٌ في الأرضِ عَبْرَ طبقاتِها المتعددةِ، وفي أثناءِ الدورانِ لا تُزاحُ الطبقاتُ المتبايِنةُ بعضُها عن بعضٍ بسببِ أنّ وتِداً، وهو الجَبَلُ يربطُها جميعاً.
معنى آخرُ: يشيرُ اللهُ سبحانه وتعالى في قوله: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا * والجبال أَوْتَاداً﴾ إلى أنّ هذا الجبلَ الذي تراه عينُك إنما ترى منه الثلثَ الظاهرَ، وله ثُلُثانِ تحتَ الأرضِ، فكلُّ جبلٍ ثُلُثه فوقَ الأرضِ، وثلثاه تحتَها، فجبالُ هِمَالايَا التي فيها أعلى قمة، وهي قمة إيفرست ٨٨٨٠م، هذا هو الثلثُ الظاهرُ، ولكنَّ ضِعْفَي هذا الارتفاعِ مغروزٌ تحتَ الأرضِ كالوتِد، مِن هنا قال تعالى: ﴿والجبال أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾ [النازعات: ٣٢-٣٣].


الصفحة التالية
Icon