في الغرامِ الواحدِ عدةُ ملياراتٍ مِن البكتريا، ماذا يجري تحتَ الترابِ؟ لا يعلمُه إلا اللهُ، إنّها معاملُ، كائناتٌ، وعملياتُ تحويلٍ، ومعادلاتٌ، ونحن لا ندري، ليس لنا إلا أنْ نقطفَ الثمارَ، ونأكلَها، أنْ نجني الخضرَاواتِ، ونأكلَها، أنْ نحصدَ المحاصيلَ، ونأكلَها، وعلى الله الباقي، ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: ٣٤].
خَلَقَ اللهُ الأرضَ وما فيها، وما تحتها، وما عليها مِن أجلِ أنْ نعرفَه، فإذا عرفنَاه فقد حقَّقنا الهدفَ مِن خَلْقِه لنا، وإنْ لم نعرفْه فيا حسرةً علينا، قال سبحانه: ﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحسرتا على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله﴾ [الزمر: ٥٦].
تصريف الرياح
مِنَ الآياتِ الناطقةِ بعظمةِ اللهِ سبحانه قولُه تعالى: ﴿وَتَصْرِيفِ الرياح﴾ [البقرة: ١٦٤]، فهذه الرياحُ التي هي سببٌ مِن أسبابِ حياتنا، إنها روحُ الأحياءِ، كيف يصرفها الله عزَّ وجل؟
قال بعضُ العلماءِ: "إنّ الماءَ إذا عُرِّضَ للحرارةِ، وإلى جانبِه جسمٌ صُلْبٌ معرَّضٌ للحرارةِ نفسها، كان أَبْطَأَ في اكتسابِه للحرارةِ مِن الجسمِ الصُلب"، فلو وضعتَ كميةً مِن الماءِ بحجمٍ يساوي جسماً صلباً، ووضعتَهُما تحت أشعَّةِ الشمسِ ساعةً كاملةً، فإنَّ حرارةَ الماءِ ترتفعُ ستَّ درجاتٍ، ويرتفعُ الجسمُ الصلبُ عشرَ درجاتٍ، فالماءُ بطيءٌ في اكتسابِ الحرارةِ، وبطيءٌ في طرحِها، وفي التخلِّي عنها.
لذلك حينما تكونُ أشعةُ الشمسِ مُسَلَّطةً على المناطقِ الساحليةِ يسخنُ البَرُّ بأسرعَ ممّا يسخنُ البحرُ، فإذا سَخَنَ البَرُّ بسرعةٍ أكثرَ يتمدَّدُ الهواءُ، ويصعدُ نحو الأعلى، ويتخلخلُ، ويقلُّ الضغطُ هناك، فإذا كان هواءُ البحرِ أكثرَ كثافةً، وأكثرَ برودةً، وأكثرَ ضغطاً، فإنه ينتقل إلى البَرِّ، لذلك في أيِّ مكانٍ من أماكنِ السواحلِ ترى نسيمَ البحرِ ينتقلُ بعدَ الظُّهْرِ مِنَ البحرِ إلى البَرِّ، قال تعالى: ﴿وَتَصْرِيفِ الرياح﴾.


الصفحة التالية
Icon