قال عز وجل: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا﴾ [الزلزلة: ١]، زلزلت: أيْ تحرَّكتْ تحرُّكاً شديداً، واضطربتْ، وزُلزِلتْ زلزالَها العظيمَ، والكبيرَ، والأخيرَ، الذي ليس بعدَهُ زلزالٌ، وذلك عند قيامِ الساعةِ، وما هذه الزلازلُ إلا نماذجُ مصغرةٌ ومحدودةٌ.
﴿وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا﴾ [الزلزلة: ٢]، وهو الإنسانُ، المخلوقُ المكلَّفُ الذي خُلِقَ لجنةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ، لأنه قَبِلَ حملَ الأمانةِ، سخَّر اللهُ له ما في السَّماواتِ وما في الأرضِ جميعاً منه، وجعلَه مُسْتَخْلَفاً في الأرضِ، فإنْ سَمَا عقلُه على شهوتِه كان فوقَ الملائكةِ، وإنْ سَمَتْ شهوتُه على عقلِه كان دونَ الحيوانِ.
﴿وَقَالَ الإنسان مَا لَهَا﴾ [الزلزلة: ٣]، تعجباً وخوفاً، ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ [الزلزلة: ٤]، ما عمِلَه الإنسانُ على وجهِ الأرضِ مِن خيرٍ أو شرٍّ.
﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا﴾ [الزلزلة: ٥]، أقْدَرَها على الكلام، وأذِن لها فيه، وأَمَرَهَا به.
﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتاً﴾ [الزلزلة: ٦]، فُرادَى، متفرِّقين، فلا تجمُّعات، ولا تكتلات، ولا تناصرَ على باطل، ولا هيمنة، ولا غطرسة، قال تعالى: ﴿اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ [يس: ٦٥].
قال تعالى: ﴿لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [الزلزلة: ٦-٧]، أيْ مقدارَ ذَرَّةٍ، وهي الجزءُ الذي لا يتجزأ، ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ [الزلزلة: الآية ٧-٨]، أيْ سيجدُ جزاءَه وعاقبتَه.


الصفحة التالية
Icon