صحَّ في الحديثِ القدسيِّ أنّ اللهَ عز وجلَّ يقولُ: "أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ؛ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي، وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ".
ممّا يؤكدُ أنّ تقتيرَ الأمطارِ لا يمكنُ أنْ يكونُ تقتيرَ عجزٍ كشأنِ البشرِ، ولكنّه تربيةٌ وتأديبٌ، هذا الخبرُ الذي أعلمتْ فيه وكالةُ الفضاءِ الأوربيةُ أنَّ مرصدَ الفضاءِ الأوربيَّ العاملَ بالأشعةِ تحتَ الحمراءِ رصدَ غيمةً مِن البخارِ في الفضاءِ الخارجيِّ، يمكنُ لها أنْ تملأَ محيطاتِ الأرضِ ستينَ مرةً في اليوم الواحدِ بالمياهِ العذبةِ.
وعلَّقَ أحدُ علماءِ الفلَكِ فقال: "إنّ المرصدَ عثرَ على غيومٍ للبخارِ في أكثرَ مِن مكانٍ في الكونِ"، إلا أنّ هذه الغيمةَ التي اكتشفَها مؤخراً تعدُّ مصنعاً عظيماً لبخارِ الماءِ، وهذا مصداقُ قولِ اللهِ تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ [الحجر: ٢١].
وأما معنى التقتيرِ التربويِّ أو التأديبيِّ ففي قولِه سبحانه: ﴿وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض ولاكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآء﴾ [الشورى: ٢٧]، وقولِه: ﴿وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً * لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً﴾ [الجن: ١٦-١٧]، وقولِه عز وجل: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾ [المائدة: ٦٦].
إنّ الجاهلين والشاردين يخوِّفون أهلَ الأرضِ، مرةً بنقصِ الغذاءِ، وأخرى بنقصِ الماءِ، وتارةً باقترابِ نضوبِ آبارِ النفطِ، فيفتعلون حروباً مِن أجلِ المياهِ تارةً، وحروباً مِن أجلِ القمحِ تارةً أخرى، وأحدثُ هذه الحروبِ مِن أجلِ النفطِ، وفاتَهُم أنَّ تقليلَ اللهِ عز وجل لمادّةٍ مَا هو تأديبٌ، وليس عجزاً منه.


الصفحة التالية
Icon