ولهذا قال تعالى بعد هذا: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء﴾، أي: إنما يخشاه حقَّ خشيتِه العلماءُ العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفةُ للعظيمِ القديرِ العليمِ الموصوفِ بصفاتِ الكمالِ، المنعوتِ بالأسماءِ الحسنى، كلما كانت المعرفةُ به أتمَّ، والعلمُ به أكْمَلَ، كانت الخشيةُ له أعظمَ وأكثرَ".
البحر المسجور
مِن أكثرِ الآياتِ الباهرة في البحارِ والمحيطاتِ ما جاءَ بهِ القرآنُ الكريمُ في مطلعِ سورةِ الطورِ في وصْفِ البحرِ بأنه مَسْجورٌ، قال تعالى: ﴿والبحر المسجور﴾ [الطور: ٦].
يقسمُ اللهُ تبارك وتعالى بهذا البحرِ المسجورِ، وهو تعالى غنيٌّ عن القَسَمِ لعبادِه، ولكنه يَلفت نظرَهم إلى عظمة المقْسَمِ به، فإنه تعالى لا يقسِمُ إلا بعظيمٍ، والمسجورُ في اللغةِ هو الذي أُوقِدَ عليه حتى أصبحَ حاراً، والماءُ يتناقضُ مع النارِ، لأنّ وجودَ أحدِهما ينقضُ وجودَ الآخرِ، حيث إننا نطفىء النارَ بالماءِ، فكيفَ يكونُ البحرُ مسجوراً؟ بعضُهم قال: ألاَ تتألف ذرةُ الماءِ مِن الأوكسجين والهيدروجين؟ والأوكسجين غازٌ مشتعلٌ، والهيدروجين غازٌ يُعِينُ على الاشتعالِ، فلو أنّ اللهَ فكَّ هذه العلاقةَ الباردةَ بينهما لأصبحَ البحرُ كتلةً من اللهبِ، هذا معنًى، بيْدَ أنّ عالماً معاصراً قال: "ثَبَتَ أنّ في قاعِ المحيطاتِ براكينَ تقذفُ باللهبِ من الصُّدوع"، وهذه آيةٌ من آياتِ الله في خَلْقِه، حيث إنه لولا هذه النارُ لَمَا استطاعتِ الكائناتُ الحيةُ في قاعِ المحيطِ أنْ تعيشَ في هذه الظلمةِ الحالكةِ، والعلماءُ في أواخرِ الستينيات من القرنِ العشرين، أي بعد أكثرَ من ألفٍ وأربعمئة عامٍ مِن نزولِ هذا القرآنِ يقرِّرون أنّ جميعَ المحيطاتِ، وعديداً من البحارِ قيعانُها مسجورةٌ بالنيرانِ، وهي الحقيقةُ التي ذَكَرَها القرآنُ قبلَ ألفٍ وأربعمئة عام، وسمَّاها: الْبَحْرَ الْمَسْجُورَ.
﴿هَـ؟ذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـ؟ذَا مِلْحٌ﴾