إعراض المشركين عن الحق بدافع المكابرة
قال: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣]: (الذين ظلموا) على الوصل فيها كأنها بدل من الواو في (أسروا) أي: من الذين أسروا الذين ظلموا، والفعل مضمر تقديره: يقولون، أي: الذين ظلموا يقولون: هل هذا إلا بشر مثلكم.
وهي كقول الله عز وجل: ﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ [الرعد: ٢٣ - ٢٤] هنا الفعل مضمر تقديره: يقولون: سلام عليكم بما صبرتم.
فيجوز أن تقرأ على الوصل كما بينا، أو على الوقف: ﴿لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾ [الأنبياء: ٣] ونقف ثم نقرأ: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣].
ويجوز أن نقرأ: ﴿لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣] فنصل جميع الآية وهو الأفضل.
قال: ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣] هذا من قول الكفار، فيقول بعضهم لبعض: ما دمنا قلنا على هذا القرآن: إنه سحر، فكيف تصدقون بالسحر وأنتم تبصرون؟ يعني: وأنتم تعقلون وتعرفون أنه سحر، وهذا من التلبيس؛ لأن القائل يعلم أنه ليس سحراً وليس كذباً، ولكنهم يخادعون بعضهم، وقد عرفنا كيف كان الوليد بن المغيرة وأبو جهل وغيرهم من كبار المشركين يذهبون ليتسمعوا النبي ﷺ وهو يقرأ القرآن عند الكعبة، وعند رجوعهم يجمعهم الطريق فيتعاهدون على ألا يستمعوا إليه، ثم إذا بهم يرجعون من الليلة التالية وهكذا.
ومن جمال هذا القرآن وحلاوته يقول عنه الوليد بن المغيرة: إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وهو الذي قال فيه ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾ [المدثر: ١١ - ١٦] يعني: كان يعرف أن هذا هو الحق، ويعترف أن هذا الكلام ليس من كلام البشر، ومع ذلك يعاند النبي ﷺ ويمنع الناس من الإيمان به.
وقد حصل مثل هذا من نساء المشركين حيث كن يذهبن إلى أبي بكر الصديق ويستمعن إليه وهو يصلي ويقرأ القرآن، حتى هم المشركون أن يطردوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه من البلد.
المقصود: أن القرآن له جمال وله حلاوة عظيمة عرفها المشركون وعرفها المؤمنون، فالمشركون عاندوا وجحدوا كلام رب العالمين سبحانه، فقالوا: إنه كذب وسحر من كلام البشر، وهم يعلمون أن الحق خلاف ذلك.