تفسير قوله تعالى: (قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء)
فيكون
ﷺ ﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً﴾ [الفرقان: ١٨]، أي: ننزهك يا ألله! عن ذلك.
﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا﴾ [الفرقان: ١٨]، أي: لا يحل لنا، ولا يجوز لنا ذلك.
﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الفرقان: ١٨].
فأنت ولينا ولا يحل لنا أن نعبد غيرك، أو أن نتخذ من دونك ولياً من الأولياء، والمعنى هنا: أنهم تبرءوا إلى الله عز وجل من كل من عبدهم من دون الله سبحانه وتعالى.
وقد قرأها الجمهور: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ﴾ [الفرقان: ١٨]، يعني: هذه الآلهة التي عبدت تقول لله سبحانه وتعالى: ليس من حقنا أن نتخذ أولياء نعبدهم وينصروننا، فكيف نعبد نحن؟! فإذا كنا نحن لا يحل لنا أن نعبد غيرك، فكيف يعبدوننا من دونك؟! ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ﴾ [الفرقان: ١٨]، أي: ما كان هذا الشيء ولا طلبناه، ولا أردناه ولا وافقنا عليه، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الفرقان: ١٨]، أي: ولياً من دونك نتولاه في الدنيا حتى نضيع الآن، وقرأ أبو جعفر: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُتَّخَذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الفرقان: ١٨]، يعني: أن نُعبد من دونك، على بناء الفعل للمجهول، والأصل فيها: أن نتخذ دونه أولياء، ومن جاءت زائدة لتأكيد نفي ذلك، فعلى ذلك لا يحل أن نكون معبودين من دونك يا رب العالمين! قال: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الفرقان: ١٨].
أي: فنعبد من دونك، ولا يحل لنا أن نكون من دونك.
ولكن السبب أنك متعتهم وآباءهم، كما قال الله سبحانه: ﴿كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: ٦ - ٧].
فالإنسان عندما يكون فقيراً ومحتاجاً وتحيط به المصائب فإنه يدعو ويقول: يا رب! وعندما يستغني ويحس أنه صحيح معافى ينسى ربه سبحانه، فقالوا هنا: ربنا! أنت متعتهم وأغنيتهم فنسوا ذكرك، قال تعالى حاكياً قولهم: ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾ [الفرقان: ١٨]، أي: حتى نسوا هذا القرآن، ونسوا ما جاءهم به النبي ﷺ من مواعظ.
﴿حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾ [الفرقان: ١٨]، يعني: لا خير فيهم، نقول هذه أرض بور، يعني: لا تنبت، أي: أنك إذا وضعت فيها الماء والبذور والسماد فلا فائدة فيها، فهي أرض بور لا تنبت زرعاً، ولا ينتفع بها أحد، فكذلك كان هؤلاء بشركهم وكفرهم كالأرض البور التي لا خير فيها، فهم كانوا لا خير فيهم، فقد تمتعوا في الدنيا ونسوا الخالق سبحانه فلم يعبدوه.
﴿وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾ [الفرقان: ١٨].
قال أبو الدرداء رضي الله عنه وقد أشرف على أهل حمص: يا أهل حمص! هلموا إلى أخ لكم ناصح! فلما اجتمعوا إليه قال رضي الله عنه: ما لكم لا تستحون؟! تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تدركون، إن من كان قبلكم بنوا مشيداً، وجمعوا عبيداً، وأملوا بعيداً، فأصبح جمعهم بوراً، وآمالهم غروراً، ومساكنهم قبوراً.
وهذه نصيحة عظيمة من أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، فهو يقول لأهل حمص: ما لكم لا تستحون؟ تبنون ما لا تسكنون، أي: تبنون البيوت الكثيرة، التي لا تسكنونها، والتي لا تعمرونها، وإنما تتركونها وتذهبون إلى ربكم سبحانه، وتجمعون ما لا تأكلون، أي: تجمعون وتدخرون أكثر مما تحتاجون إليه، وتتكالبون على الدنيا، كأنكم ستعيشون أبداً فيها، وتأملون ما لا تدركون، أي: تأملون أن تعيشوا أبد الآبدين، إن من كان قبلكم، أي: اتعظوا بالذين كانوا من قبلكم، فقد بنوا مشيداً، وجمعوا عبيداً، وأملوا بعيداً، أي: بنوا البناء المشيد العالي، وكذلك جمعوا من العبيد في الدنيا ما يكون لهم بهم عزة وقوة، وأملوا آمالاً بعيدة فلما جمعوا هذه الدنيا قال: فأصبح جمعهم بوراً، وآمالهم غروراً، ومساكنهم قبوراً، أي: هذا الجمع الذي جمعوه لم ينفعهم شيئاً، وإنما صار جمعهم هذا بوراً، وإن الجمع الذي ينتفع به الإنسان هو أن يجمع الأعمال الصالحة، فتكون مثمرة ويكون له أجرها عند الله سبحانه وتعالى.
وأما ما جمع من حطام الدنيا فسرعان ما يزول، أو يموت الإنسان عنه ويتركه ويذهب إلى ربه، فإذا بالآمال غرور، أي: ضائعة لم يأت منها شيء، وصارت هذه المساكن قبوراً لأصحابها نسأل الله العفو والعافية.