تفسير قوله تعالى: (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين)
ثم وجه الخطاب للنبي صلوات الله وسلامه عليه مواسياً له، فقال تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٣]، فقوله: ((بَاخِعٌ)) أي: قاتل ومهلك، فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت ستقتل نفسك من أجلهم وهم لا يستحقون هذا الشيء، فقد كان النبي ﷺ يدعوهم إلى ربهم سبحانه وتعالى فإذا بهم يعرضون عنه ويكذبونه، فكان يحزن حزناً شديداً صلوات الله وسلامه عليه، فكأنه تعالى يقول له: إذا حزنت حزناً شديداً فإنك في آخر الأمر ستقتل نفسك غماً وكمداً، ولن تبلغ هذه الرسالة، ولكن اصبر وتسلى بما جاءك من عند ربك، وصابر على ذلك، وادعهم مرة ومرتين وثلاثاً، ولا تهلك نفسك من أجلهم.
وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: ٦] أي: ستقتل نفسك عليهم؛ لكونهم لم يؤمنوا بهذا الحديث، من شدة أسفك عليهم، فهذا في سورة الكهف، وقال هنا: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٢ - ٣] أي: بسبب عدم إيمانهم، ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤] أي: لو شئنا أن يؤمنوا قسراً وقهراً لأنزلنا عليهم معجزة حسية من السماء يرونها، فتكون آية من آيات رب العالمين، وعذاباً وهلاكاً عليهم، فنهلك بعضهم حتى يؤمن الباقون، فنريهم الملائكة عياناً تخويفاً لهم، فيؤمنون قهراً، ولكن لا نريد ذلك، بل نريد أن يؤمنوا وقد نظروا إلى آيات الله عز وجل المتلوة، فيعرفون ما يخبرهم به ربهم سبحانه، فيؤمنون على الغيب وليس على الشهادة؛ لأن الإيمان على الشهادة لا ينفعهم؛ لأن هذا ليس هو الإيمان بالغيب الذي يريده الله عز وجل؛ ولذلك قال: لو أردنا لأنزلنا عليهم آية بينة، ولأريناهم الجنة، ولأريناهم النار، ولأريناهم الملائكة، ولأنزلنا عليهم آيات من السماء فآمنوا قهراً وجبراً.


الصفحة التالية
Icon