تفسير قوله تعالى: (وما يأتيهم من ذكر من ربهم الرحمن محدث)
قال تعالى: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ [الشعراء: ٥] أي: وما يأتي هؤلاء الكفار من ذكر من عند الرحمن، ولم يقل: من الله ولكن قال: من الرحمن؛ لبيان فضله ورحمته سبحانه، ولم يقل: من الرحيم؛ لأن الرحمن صيغة مبالغة، وفيها رحمة ربنا بالعالمين كلهم المسلمين والكفار.
وأما الرحيم ففيها صيغة المبالغة في رحمة رب العالمين الخاصة بالمؤمنين، كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٣]، فهنا ناسب أن يذكر الرحمن لرحمته للخلق، فقد رحم خلقه، فأنزل الكتب، وأرسل الرسل لجميع الخلق، ولم يميز بعضهم عن بعض، حتى تكون حجة رب العالمين على الخلق جميعهم.
﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ﴾ [الشعراء: ٥]، فالقرآن كلام رب العالمين، وكلام رب العالمين صفة من صفاته ليست محدثة، بل هي صفة قديمة من صفات رب العالمين، فقد أخبر أنه يتكلم سبحانه، وقد تكلم الله عز وجل بالقرآن قبل أن يخلق السموات والأرض، فهذا القرآن كلام رب العالمين سبحانه.
وهنا يذكر أنه محدث، أي: محدث النزول، فقد نزل إلى السماء الدنيا، ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، إذاً: فتجدد النزول يكون باعتبار الحوادث، وإلا فهو كلام قديم من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قبل الأنبياء من قبله عليهم الصلاة والسلام.
قال سبحانه: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ﴾ [الشعراء: ٥] يعني: نزول هذا القرآن هو المحدث؛ لأن مجيء جبريل عليه السلام به كان بحسب الحوادث، فإذا حدثت حادثة نزل جبريل عليه السلام بآيات من كتاب الله سبحانه.
ثم قال تعالى: ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ [الشعراء: ٥] أي: أن الكفار يعرضون عما جاء فيه.
ثم قال تعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾ [الشعراء: ٦] أي: فعلوا ذلك.
﴿فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾ [الشعراء: ٦] أي: سيأتيهم من عند رب العالمين أخبار ما كانوا به يستهزئون، فقد كانوا يستهزئون بأنك ستنتصر عليهم وسيكون ذلك، وكانوا يستهزئون بأنهم سيغلبون وسيكون ذلك، وكانوا يستهزئون بأنهم سيموتون ويبعثون، وسيكون ذلك، فهذه أنباء ما كانوا به يستهزئون، فإنه آت.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.