تفسير قوله تعالى: (يا موسى إنه أنا الله إني لا يخاف لدي المرسلون)
قال الله تعالى: ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النمل: ٩].
هنا ذكر الله في سورة القصص: ﴿إِنِّي أَنَا اللَّهُ﴾ [القصص: ٣٠]، وفي طه: ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ [طه: ١٢]، وفي هذه السورة قال: ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ﴾ [النمل: ٩]، والضمير ضمير الشأن يعني: إن الأمر أنا الله رب العالمين، والشأن أنني أخاطبك، وقال الله سبحانه في سورة طه: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [طه: ١٢]، حتى تنال من بركة هذا الوادي المقدس، وحتى تؤدي حق الاحترام في هذا المكان، فاخلع نعليك، وفي هذه السورة قال: ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ﴾ [النمل: ٩]، وكأنه يقول: ﴿يَا مُوسَى﴾ [النمل: ٩]، إن الأمر: ﴿أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النمل: ٩]، سبحانه وتعالى، أي: أنا العزيز، أنا الغالب، أنا الذي إذا أردت شيئاً فلا بد أن يكون، فالله عز وجل أمره في قوله: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧]، فهو الحكيم، أي: له الحكمة العظيمة البالغة سبحانه وتعالى.
﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ [النمل: ١٠]، فحتى يخبره بأنه نبي رسول فلا بد أن يريه آيةً من قدرة الله رب العالمين، فكانت أول آية: هي النار في هذه الشجرة.
والآية الثانية: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ [النمل: ١٠]، وفي سورة القصص قال تعالى: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [القصص: ٣١]، فخاف موسى عليه الصلاة والسلام في هذا المكان، فهو لوحده في زعمه أو في ظنه، قال سبحانه في سورة النمل: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ [النمل: ١٠]، وفي سورة طه قال: ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾ [طه: ٢٠]، وفي سورة الأعراف قال: ﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧] فخاف موسى عليه الصلاة والسلام، قال تعالى في سورة النمل: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ [النمل: ١٠]، والجان والجنان يعني: الحيات، أي: ﴿تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا﴾ [النمل: ١٠]، حية من الحيات، قال تعالى: ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ [النمل: ١٠]، أي: خاف موسى وأخذ يجري خوفاً من الحية.
﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [النمل: ١٠] أي: لم ينظر وراءه من شدة الخوف والرعب.
ومقصود رب العالمين سبحانه وتعالى الامتحان بالتخويف، فإذا رأى في هذا المكان الموحش مثل هذه النار في هذه الشجرة، ورأى في هذا المكان ظلمة ثم حية، فجرى فاراً من الخوف الشديد، فإن الله سبحانه يعلمه الثبات ويمرنه على ذلك، فيرجع موسى إلى شجاعته ورباطة جأشه، حتى يعرف كيف يواجه فرعون بعد ذلك.
فكأن المقصود من الله عز وجل التخويف لنبيه عليه الصلاة والسلام حتى يعتاد الشجاعة بعد ذلك، فإن موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ [النمل: ١٠]، أي: هرب، ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [النمل: ١٠]، يعني: لم ير وراءه ولم يرجع، فناداه ربه سبحانه: ﴿يَا مُوسَى لا تَخَفْ﴾ [النمل: ١٠]، وفي سورة القصص قال: ﴿يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ﴾ [القصص: ٣١]، وقال هنا في سورة النمل: ﴿إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ١٠]، وفي سورة القصص قال: ﴿إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ﴾ [القصص: ٣١]، أي: ارجع يا موسى! ﴿إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ﴾ [القصص: ٣١]، وهذه بداية تفهيم لموسى أنه سيكون رسولاً، والرسل لا يخافون عند الله سبحانه، قال تعالى: ﴿إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ١٠].