تفسير قوله تعالى: (حتى إذا أتوا على واد النمل)
قال سبحانه: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ١٨].
لقد أعطاه الله عز وجل ملكاً عظيماً جداً فهو يسير إلى أي مكان يريد أن يصل إليه، يريد أن يصل للشام أو للعراق أو إلى أدنى الأماكن أو إلى أبعد الأماكن فكلها سواء، ففي مرة من المرات أتى على وادي النمل، ولم يذكر لنا الله سبحانه مكان وادي النمل؛ لأنها من العلم الذي لا يفيد، فلا يفيدنا أن نعرف مكان وادي النمل، أو حجم هذه النملة التي كلمت سليمان، بل المهم أنها نملة من النمل الذي نعرفه كبرت أم صغرت، ولو كانت شيئاً آخر لذكر الله لنا هذا الشيء، فكونه نكر وذكر أنهم أتوا على وادي النمل وتكلمت نملة، فيكون المقصود النمل المعهود المعروف.
والله عز وجل جعل للنمل لغة أيضاً تتكلم بها، ومما يثبت ذلك أن النملة تكلمت، والوادي: هو المكان المنبسط الواسع الفسيح، وقد كان فيه نمل كثير: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ١٨] وسميت: النملة نملة من التنميل، وهو الحركة الكثيرة، والنملة لا تقعد أبداً فهي دائماً تعمل، فسمي النمل نملاً لكثرة حركته ولقلة قراره.
والنمل له مساكن يختبئ بداخلها، قال: ﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ [النمل: ١٨]، يعني: لئلا يحطمنكم، وهذه قراءة الجمهور، وقرأها رويس عن يعقوب ﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ١٨].
وتحذير النملة فيه دليل على أن النمل له عقل وفهم، فقد أعطاها الله عز وجل ما تفهم به، وفيه الحب للغير، فهي ما خافت على نفسها وهربت وحدها، ولكن أمرت باقي النمل أن تدخل المساكن حتى لا يحطمهم سليمان عليه السلام، وأيضاً فهي تفهم ما تقول، قالت: ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ١٨]، فقد عرفت أنه نبي من أنبياء الله عليه الصلاة والسلام، وأن الأنبياء لا يظلمون؛ ولذلك التمست له العذر فقالت: ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ١٨].
وبينت الآية كذلك: أن النمل يفهم ويعيش في جماعات، وأن له مساكن، وأنه يحذر بعضه بعضاً من ضرر يقع عليه، وعلماء الحشرات يقولون: النمل له فهم عجيب جداً، ويقولون: إن النملة من النوع الذي يدخر طعامه من الصيف للشتاء.
فهو فطن وقوي وشمام جداً، ويتخذ القرى، ويشق الحب قطعتين، لأن الحبة لو ظلت على حالها لنزل عليها الماء ونبتت، فحبة الكزبرة لو شقت نصفين ونزل عليها الماء نبتت، فتقطعها النملة أربعة قطع، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى.
والحشرة هذه عاقلة، وتخاف على أخواتها فتقول: ﴿ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ١٨] قالوا: النمل يأكل في عامه نصف ما يجمعه فقط، كأنه يدخر للزمن.
إذاً: فقد حافظت على من معها، وتبسم وسليمان عليه الصلاة والسلام ضاحكاً من ذلك.


الصفحة التالية
Icon