تفسير قوله تعالى: (قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين)
قال الله تعالى: ﴿سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٧ - ٢٨]، فإما أن يكون عندك ما ليس عندنا، أو أنك تكذب، فسنفتش في حالك وننظر ونتحرى في الأمر، ﴿أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النمل: ٢٧].
ثم قال سبحانه: ﴿اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٢٨]، ولاحظ أن سليمان لما قال له الهدهد: ﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ﴾ [النمل: ٢٣]، لم يقل شيئاً، ولما أخبره: ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣]، لم يقل شيئاً، فلما قال له: ﴿يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [النمل: ٢٤]، كان لا بد أن يتكلم، ولا بد أن يدعو إلى الله سبحانه، لذلك قال: ﴿اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨]، يعني: اذهب بهذا الكتاب وهو عبارة عن رسالة يدعوهم فيها إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينظر ﴿مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨]، فكتب له كتاباً وأمره أن يذهب إلى هذه المرأة وإلى قومها.
وقوله: ﴿اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٢٨]، فيها ثلاث قراءات: القراءة الأولى: قراءة أبي جعفر وقراءة أبي عمرو وقراءة عاصم وقراءة حمزة أيضاً: ﴿فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٢٨] بالسكون! ويقرؤها قالون وهشام بخلفه ويعقوب: ((فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ)) باختلاس الكسرة.
وباقي القراء يقرءونها بالإشباع وكأنها ياء: ((فألقهِ إليهم)).
إذاً: في هذه الآية دليل على إرسال الكتب إلى المشركين وتبلغيهم دعوة رب العالمين سبحانه، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كتب الكتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى غيرهم من الملوك، يدعوهم إلى الله سبحانه، فيقول: أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فدعاهم النبي ﷺ إلى دين رب العالمين.
وفي قصة سليمان مع الهدهد لما أمره أن يذهب بالكتاب تعليم للأدب في ذلك، فقد أمره أن يضع الكتاب عندهم، ثم يتولى عنهم، أي: أعطهم فرصة يقرءون فيها الكتاب، وراقبهم ماذا سيفعلون؟ وانظر ماذا يرجعون؟ أي: في ردهم فيما بينهم.
والملكة كانت تسمى: بلقيساً، فقد كانت ملكة سبأ وذكر الله عنها أن لها عرشاً عظيماً، فملكت قومها وساستهم، وقد جاء عن النبي ﷺ قوله: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فلا ينبغي في دين الإسلام أن تكون المرأة حاكمة، أو تكون خليفة، أو تكون أميرة على الناس، فهذا ليس من وظيفة النساء، وأخبر النبي ﷺ أنه إذا وصل الأمر إلى ذلك، وأصبحت المرأة رئيسة على الناس، وأميرة عليهم فإن هؤلاء قوم لا يستحقون الفلاح، (لن يفلح قوم) أي: لا في الدنيا ولا في الآخرة إذا ولوا أمرهم امرأة، وقد أخبرنا الله سبحانه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم: أن النساء ناقصات عقل ودين، فإذا جاء الرجال وجعلوا الناقصات فوقهم فعلى ذلك لن يفلح الجميع، قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) إذاً: النساء ليس لهن من أمر ولاية المسلمين أو إمارة المسلمين شيء.
أما الكفار فكان عندهم ذلك، فهؤلاء ولوا عليهم هذه المرأة، وكذلك لما قتل كسرى ولوا بعده ابنته عليهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فدمر الله عز وجل ملكها، وتمزق ملكهم بعد ذلك.
قال سليمان هنا: ﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ [النمل: ٢٨]: وفيه حسن الأدب بالتنحي مع من تعطيه كتاباً، فإذا فتح إنسان رسالة أو كتاباً من أحد فلا تنظر معه ولا تقرأ الكتاب، ولا تظل واقفاً بجواره، ولكن الأدب أن تبتعد عنه قليلاً حتى يقرأ الكتاب ثم يعطي الرد بعد ذلك، قال: ﴿فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨].
وذهب الهدهد إلى هنالك، ولم يذكر لنا ربنا سبحانه وتعالى كيف رجع إلى هذه الململكة، وانظر الفرق بين القصص القرآني وبين الحكايات التي يذكرها البشر، إذ لو كانت حكاية يذكرها البشر لقالوا: الهدهد أخذ الكتاب وطار به، ووصل إلى هنالك، وجلس ينتظر فرصة من أجل أن ينزل عليهم الكتاب، وألقى عليهم الكتاب، وهذه كلها أشياء لا تفيدنا في شيء، ولذلك يعرض عنها القرآن.