وراثة سليمان للنبوة والملك من داود
الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٢٠ - ٣١].
لقد ذكر الله عز وجل في هذه السورة قصة داود وسليمان، وكيف أن الله سبحانه من عليهما، وآتهما علماً، قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا﴾ [النمل: ١٥]، وحمدا الله سبحانه وتعالى أن فضلهما على كثير ممن خلق من عباده، قال تعالى: ﴿وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النمل: ١٥].
ثم قال: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ﴾ [النمل: ١٦]، وداود هو الأب عليه الصلاة والسلام، فورث سليمان منه النبوة والملك دون باقي إخوته، فكان نبياً وملكاً، بل من أعظم ملوك الأرض ملكاً.
فملك الأرض جميعها، فكان يتوجه حيث يريد بأمر الله سبحانه وتعالى، فقد سخر له الريح، والطير، والإنس والجن، وأعطاه ملكاً عظيماً لم يعطه أحداً من العالمين.
وكان سليمان قد دعا ربه سبحانه: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥]، فاستجاب له ربه، وأعطاه ملكاً لم يكن لأحد من بعده.
ولذلك النبي ﷺ في مرة من المرات وهو يصلي تفلت عليه شيطان، فإذا بالنبي ﷺ يمسكه، ويخنقه حتى كاد أن يربطه في سارية من سواري المسجد ليلعب به الصبيان في الصباح، ثم تذكر دعوة سليمان: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥] فتركه النبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً: دعوة سليمان هي أن الله عز وجل يسخر له أشياء لا تكون لأحد من بعده.
قال الله عز وجل: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ﴾ [النمل: ١٧]، فلقد ملك سليمان الدنيا عليه الصلاة والسلام، وآتاه الله عز وجل هؤلاء الجنود، من الجن والإنس والطير: ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ١٧] يعني: لكثرتهم العظيمة جداً، يحتاجون لمن يقودهم، ومن يكفهم، ومن يرتبهم، ومن ينظمهم، ومن يسيرهم، ومن يوقفهم، فيحتاجون لمن يوزع هؤلاء، فقال سبحانه: ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ١٧] يعني: يوجد لهم من قوادهم من يزعونهم.