تفسير قوله تعالى: (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض)
قال الله تعالى: ﴿أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النمل: ٢٥] أي: فبدلاً من أن يسجدوا للشمس من دون الله، يسجدوا لله سبحانه وتعالى.
قوله: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا﴾ [النمل: ٢٥]، إما تعقيب من الرب سبحانه وتعالى، وكأنه يقول: هلا سجدوا للرب الذي خلقهم سبحانه؟ فيكون اعتراضاً في ثنايا الكلام من الله سبحانه وتعالى على عبادة هؤلاء، أو أن هذا جواب من سليمان عليه الصلاة والسلام لما قال له الهدهد: ﴿يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ﴾ [النمل: ٢٤] قال: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ [النمل: ٢٥] أي: فبدلاً من أن يسجدوا للشمس من دون الله، يسجدوا لله، أو أنه من كلام الهدهد نفسه، فهو يقول: فهلا سجدوا لله بدلاً من هذه الشمس؟ قال: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا﴾ [النمل: ٢٥]، وهذه قراءة الجمهور.
وقراءة أبي جعفر وقراءة الكسائي وقراءة رويس عن يعقوب: ((ألا)) بالتخفيف، فهما قراءتان: قراءة بالتشديد: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا﴾ [النمل: ٢٥]، ومعناها: هلا سجدوا، فهو أسلوب تحضيض وحث، أي: اسجدوا لله سبحانه ولا تسجدوا لهذه الشمس ولا للقمر.
وعلى القراءة الأخرى التي هي قراءة أبي جعفر والكسائي ورويس عن يعقوب: ((ألا يسجدوا)) فيكون معناها: هلا سجدوا لله سبحانه؟ وكأنها للنداء، فيكون: ألا يا قوم! اسجدوا لله، فكأن هناك شيء محذوف تقديره: يا قوم! ألا يا قوم! اسجدوا لله، فحذفت فصارت: ((ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء))، والله سبحانه الذي يعلم السر والعلن، ويعلم ما هو أخفى من ذلك.
والله هو الذي يخرج الخبء، يعني: الشيء المخبوء المستتر في السموات وفي الأرض، فلا يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى، فبدلاً من أن يسجدوا للشمس التي لا تعلم شيئاً إلا ما يأمرها به ربها سبحانه، فهلا سجدوا لله الذي يعلم كل شيء، ويخرج ما اختبأ في السموات وداخل الأرض؟ قال: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ﴾ [النمل: ٢٥] أي: فكما أنه علم بما اختبأ في السموات وفي الأرض، فإنه يعلم ما تخفيه أنت في نفسك، ويعلم السر والجهر، ويعلم ما هو أخفى من السر.
و ((تُخْفُونَ)) بالخطاب، قراءة حفص عن عاصم، وقراءة الكسائي.
وباقي القراء يقرءونها: ((ويعلم ما يخفون وما يعلنون)) للغائب، يعني: ما يخفي الخلق وما يعلنون.


الصفحة التالية
Icon