مراد نبي الله سليمان من تنكير عرش بلقيس
عندما جاء العرش إلى سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ﴿قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل: ٤١]، أي: غيروا من هذا العرش لونه، وغيروا الذهب فانقلوه من مكان لمكان، والنكر: هو عكس المعروف، وهذا شيء نكر أي: منكر، فأمرهم أن يغيروه لكي يعرف هل هي ذكية فطنة حكيمة تفهم أم لا؟ فلعلها إذا فهمت ذلك عرفت قدرة الله سبحانه، فرجعت إلى ربها سبحانه.
فإذا فهمت أن الله يؤيد المؤمنين بهذه المعجزة، وهي: إتيانهم بهذا العرش من هذا المكان إلى هذا المكان فستؤمن، وإذا كانت مكابرة فستنظر إلى العرش وهي تعلم أنه عرشها ثم تقول: ليس لي؛ لتنكر هذه الآية وهذه المعجزة، وإذا كان فيها خير فستصدق وستؤمن أنه نبي مؤيد بالمعجزات، وستدخل في دين رب العالمين سبحانه.
فأراد أن ينظر إلى عقلها وإلى حكمة هذه المرأة وذكائها، فقال: ﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل: ٤١] وكأنه يريد أن يقيس شيئاً على شيء، فإذا اهتدت لهذا العرش فسنأمل أن تهتدي إلى ربها، وأن تسلم، وأن تدخل في دين رب العالمين سبحانه، فاختبرها بشيء ليدله على شيء آخر وراء ذلك.
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْ﴾ [النمل: ٤٢]، عرض عليها هذا العرش وقال أحد الجنود: ﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾ [النمل: ٤٢]، فنظرت إليه وقالت: ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ [النمل: ٤٢]، أي: كأنه عرشي جاء إلى هذا المكان، وكانت عاقلة، فإنها لو قالت: هذا عرشي فمن المؤكد أنها لم تنتبه للتغير الظاهر فيه، ولو قالت: ليس هو لكانت لم تسمع عن عرش آخر كعرشها بهذه الفخامة والزخرف الذي فيه، فلما تغير ما عليه والمنظر منظر عرشها، توسطت في الجواب بذكاء وقالت: ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ [النمل: ٤٢].