إسلام النجاشي
وهذا النجاشي هو أصحمة ملك الحبشة، وهو من الملوك الذي عرف أن النبي ﷺ حق، فأسلم هو وقومه، وأظهر إسلامه للنصارى من قومه، وإن كرهوا ذلك منه، وأخبر أن جعفراً رضي الله عنه ومن معه قالوا في المسيح عليه الصلاة والسلام القول الحق، وقد أراد كفار قريش الوقيعة بين النجاشي وبين جعفر بن أبي طالب ومن معه من المهاجرين من المؤمنين في الحبشة ففشلوا.
فقالوا للنجاشي: إنه يقول قولاً سيئاً في المسيح عليه الصلاة والسلام، فأرسل إليهم: ماذا تقولون في المسيح؟ فجاء جعفر بن أبي طالب ومن معه من المؤمنين إلى النجاشي وقال: نقول في المسيح عليه الصلاة والسلام -وكان هو وجمع معه من الرهبان والأحبار والكبار في مملكته، وقد اجتمعوا ليسمعوا ما يقول هؤلاء- فقالوا: المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وهو عبد الله ورسوله.
فلما قال ذلك نخرت الرهبان، فقام النجاشي وقال: والله ما زاد المسيح على ما قلتم، وأخذ حصاة أو شعرة من الأرض وقال: ما زاد المسيح على ما قلتم، ثم قال: وإن استكبرتم وإن أنفتم يا مشركون! وإن أنفتم يا نصارى! فالمسيح كما قالوا، فلا أعبد إلا الله، ولا أحمد إلا الله الذي رد علي ملكي، وقد كان بعض النصارى خرجوا عليه بملك آخر فأخذ منه ملكه وتركه الناس، وكاد أن يضيع منه ملكه، ثم رده الله سبحانه وتعالى عليه.
فقال: لا أحمد أحداً إلا الله، ولا أقول في المسيح أكثر مما قاله هؤلاء، ولو كنت أقدر أن أذهب إلى النبي ﷺ فأغسل عن قدميه لفعلت ذلك، ولو كنت أقدر أن أسافر إليه ﷺ لفعلت، ولكن الأمر صعب ويكفيه ذلك رضي الله تبارك وتعالى عنه.
وقد آوى هذا الحبشي المسلمين، وجعله النبي ﷺ وكيله في أن تزويجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت مهاجرة عنده في الحبشة، فهو الذي دفع مهر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي زوج النبي ﷺ من أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
أما غيره من الملوك فلا يوجد فيهم أحد أتاه خطاب من النبي ﷺ إلا ورده رداً جميلاً دون أن يسلم، وبعضهم مزق الرسالة التي جاءته من النبي صلى الله عليه وسلم.