الحكمة التي اتصفت بها الملكة بلقيس
يذكر لنا ربنا سبحانه وتعالى قصة سليمان عليه الصلاة والسلام مع ملكة سبأ وهي بلقيس، لما أرادت أن تختبر سليمان وتعرف هل هو نبي من الأنبياء أم هو ملك من الملوك؟ وقد أرسل إليها خطاباً يأمرها بالإسلام، وأن تأتي إليه ولا تتكبر عليه.
فلما قرأت الرسالة وكانت امرأة حكيمة استشارت من معها، فلم تكن متهورة مندفعة بحيث ترد عليه جواباً على رسالته، فأبدو أنهم أقوياء: ﴿قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ [النمل: ٣٣].
ولكنها ذكرت من حولها أن أمر القوة وأمر الحرب يحتمل أن ننتصر أو أن ننهزم، فإذا انهزمنا أمامه دخلت جنوده إلى أرضنا، ودخل هذا الملك إلى أرضنا فأفسد فيها وقالت: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٣٤].
ثم تروت ووجدت فكرة أخرى فقالت: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ [النمل: ٣٥]، يعني: إلى هؤلاء القوم وليس لسليمان وحده، ولكن لأهل هذه البلد أو لكبارها بما فيهم ملكهم، قالت: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥].
وعندما يرجع إلينا هؤلاء الذين نرسلهم إليه بهذه الهدية نعرف أمره، فإذا كان ملكاً قبل هذه الهدية فنتعامل معه على أنه ملك من الملوك وأنه طماع، فإما أن نرضيه بمال، وإما أن نغزوه ونحاربه، وأما إذا كان غير ذلك فهذا نبي من الأنبياء ولا يسعنا إلا أن نأتي إليه.