عظيم تسخير الله لسليمان
فلما بلغ سليمان أنهم خارجون إليه، وعلم سليمان بذلك إما عن طريق الوحي وإما عن طريق جنوده من الجن وغيرهم أحب أن يريها آية من آيات قدرة الله سبحانه الذي أقدر سليمان عليها، فقال لمن معه: ﴿قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٨]، وإلا فماذا يعمل بعرشها؟ لكنه يريد أن يريها آية من الآيات، ولا مطمع له في عرشها.
لكن هذا العرش هو الذي جعلها تتعالى وتستكبر على الخلق، وجعلها تعبد غير الله سبحانه، فينقل من اليمن إلى الشام وهي مسافة طويلة جداً في وقت يسير، وهي تخرج من بلدها تاركة عرشها هنالك فتأتي إلى الشام فتجد عرشها هناك، وهذا شيء عجيب جداً، فأراد سليمان أن يريها أنه رسول كريم مؤيد بالمعجزات.
وهذا يدفعها إلى أن تؤمن بالله سبحانه، وكأن الهدف من إتيانه بعرشها أن يريها معجزة من المعجزات الحسية لعلها تسلم وتدخل في دين رب العالمين، فلما سأل من حوله لم يقل: يا أيها الناس؛ لأن الناس لا يقدرون على هذا الشيء، ولكن قال: يا أيها الملأ! فهم أعلى الناس الذي يدخلون عند سليمان، ويكون أكرمهم عليه أتقاهم لربه سبحانه وتعالى، فربنا فضل بعض الناس عنده كما قال: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣]، وكذلك هو التفضيل عند أنبياء الله سبحانه وتعالى، فهم يفضلون ويقربون ويدنون منهم الأتقى من الخلق.
فسأل هؤلاء الملأ الذين حوله وفيهم الإنس وفيهم الجن، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾ [النمل: ٣٨]، وهو يعلم من قدرة الله سبحانه أنه سيأتيه بهذا العرش من هذا المكان إلى هذا المكان.
فكان الإتيان بالعرش مقدور لسليمان عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله سخر الجان والشياطين والريح له، ولكن هو يريد شيئاً سريعاً قبل أن يأتوا.
فهذه المرأة في الطريق وستأخذ ثلاثة أيام أو يومين، وهو يريد أن يأتي العرش الآن قبل أن تدخل هذه المرأة، فلما قال ذلك إذا بجنوده يجيبون: ﴿قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [النمل: ٣٩]، والعفريت: هو المارد القوي، فالمردة من الجان مسخرون لسليمان عليه الصلاة والسلام، فقال هذا: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ [النمل: ٣٩]، أي: قبل أن تكمل هذه الجلسة الذي أنت فيها، وهذه قدرة عظيمة جداً، فلا تقدر أي طائرة ولا أي صاروخ أن يأتي له بهذا قبل أن ينفض المجلس.