ما عند سليمان من الأعوان هو من فضل الله
إن العفريت الذي قال: إنه سيأتي بالعرش قبل قيام سليمان من مجلسه قال: إنه قوي على هذا الشيء، وأنا أمين لست بخائن فآتيك بهذا الشيء ليس بغيره، وأما الآخر فقال: ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [النمل: ٤٠]، أي: علم بكتاب الله الذي أنزله على موسى عليه الصلاة والسلام، وبالصحف التي أوتيها داود قال: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠]، يعني: أغمض عينيك وافتحها وستجده أمامك.
وهذه السرعة ليست في قدرة إنس ولا جن أن يفعلوا ذلك، وإنما هي قدرة الله سبحانه وتعالى، فهذا العبد سأل ربه فاستجاب له وأتى بهذا العرش إليه.
وكان سليمان عليه الصلاة والسلام واثقاً من ذلك، فهذا عنده علم من الكتاب.
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ﴾ [النمل: ٤٠]، أي: رأى العرش حالاً أمامه: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ [النمل: ٤٠].
أي: فليس بقوتك ولا بقوته، ولكن من فضل الله سبحانه وتعالى أن علمنا الكتاب، وسخر لنا الإنس والجن والدواب، وسخر لنا هذا من فضله سبحانه، فهذا تفضل الله علي وما عطاءه ذلك لي إلا ابتلاءً وامتحاناً منه سبحانه، وما قال بفضلي وقدرتي لأنني ملك أو نبي، بل قال: هذا اختبار من الله عز وجل هل سأشكر أم سأكفر؟ ليعلم الناس أنه مهما أعطاكم الله من نعم فاشكروا الله سبحانه وتعالى، ومهما أعطاكم الله من نعم فاعلموا أن الذي يعطي قادر على أن يسلب ويأخذ.
فإذا أعطاك الله فإنما يبتليك هل تشكر أم تكفر؟ فقال سليمان عليه الصلاة والسلام: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل: ٤٠]، وهذه قراءة الجمهور، ومنهم من يمد ومنهم من يقصر، وقراءة نافع وأبي جعفر: ﴿لِيَبْلُوَنِيَ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ [النمل: ٤٠].
وعاقبة الشكر منفعة، فإنما أشكر الله عز وجل لأنتفع أنا، فلن ينتفع الله عز وجل بشكري شيئاً، ولن يزداد بحمدي ولا بشكري ولا بعبادتي شيئاً، فأنا أحمد الله لنفسي لأنتفع أنا.
وانتفاعي هو كما قال الله سبحانه: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧] أي: إن تشكر الله عز وجل يزدك من هذه النعمة ومن هذا الفضل، ولذلك سليمان عليه الصلاة والسلام يقول: ﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ [النمل: ٤٠]، ومن كفر وجحد نعمة الله ونسب الفضل لنفسه كما قال قارون: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ [القصص: ٧٨]، يقول الله سبحانه: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٤٠].
وأصل الكَفر: الستر، وكفر الشيء بمعنى: ستره وغطاه، فالذي يكفر بالله كأنه يغطي النعم ويحجبها ويقول: ليست من عند الله، بل هي مني أنا، فأنا الذي أتيت بها، وأنا أستحق ذلك، وينسى ربه ويكفر، قال سبحانه: ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ [النمل: ٤٠]، قال سليمان: ﴿فَإِنَّ رَبِّي﴾ [النمل: ٤٠] أي: الله الذي أعبده والذي خلقني: ﴿غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٤٠].
أي: غني عن العباد وعن عبادتهم، كريم سبحانه يعطي من شكر ومن كفر سبحانه وتعالى، ولذلك لما دعا سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٢٦]، وهذا من أدبه عليه الصلاة والسلام، فلم يقل: ارزق المؤمنين الذين يعبدونك، وارزق الكفار الذي يجحدونك ويسبونك، بل كان الأدب من إبراهيم أن قال: ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ﴾ [البقرة: ١٢٦]، ثم توقف عند مقام الأدب عليه الصلاة والسلام، فأجاب الله بكرمه سبحانه قال: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: ١٢٦]، فالمؤمن يتأدب في دعائه لربه سبحانه وتعالى، والله يفعل ما يشاء، قال سليمان: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٤٠]، فهو سبحانه تبارك وتعالى يكرم خلقه بما يشاء، فيكرم بالإيمان فيهدي من يشاء من خلقه سبحانه.


الصفحة التالية
Icon