دعوة نبي الله صالح لقومه وشفقته عليهم
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ [النمل: ٤٥]، النون نون العظمة هنا، والرسول ما جاء إلا من عند الله الواحد سبحانه، لكنه عبر بنون الجمع؛ ليدل على عظمة رب العالمين سبحانه، وفيه إشارة إلى أن الرسول ليس وحده، بل معه قوة رب العالمين سبحانه، يؤيده بملائكة وجند من عنده، والناس استضعفوه عليه الصلاة والسلام، وظنوا أنه ضعيف فأرادوا أن يكيدوا له، فانظروا كيف صنع بهم ربنا.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [النمل: ٤٥]، أي: يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، و (أن) هنا: تفسيرية للفعل أرسلناه، وكأن المعنى: أرسلناه بأن ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [النمل: ٤٥].
و (أن) أكثر من قراءة، حيث يقرؤها أبو عمرو ويعقوب وحمزة وعاصم بالكسر، وباقي القراء يقرءونها بالضم (أنُ اعبدوا الله).
فالنتيجة: إذا هم فريقان يختصمون، فريق المؤمنين وهم الأقل حيث كانوا أربعة آلاف، أما الكفار فكانوا كثيرين جداً، ولذلك قال الله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ﴾ [الأعراف: ٧٥]، فإذاً الناس فريقان: فريق المستكبرين وهم الكفار، وفريق المستضعفين وهم من الكفار ومن المؤمنين، فالذين آمنوا هم الضعفاء وليسوا الأقوياء، فهؤلاء القلة المؤمنة قال لهم الكفار: ﴿أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الأعراف: ٧٥]، قال هؤلاء المؤمنون: ﴿إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الأعراف: ٧٥ - ٧٦]، يعني: أنتم آمنتم بهذا الرسول وآمنتم بربه، أما نحن فنكفر بما قلتموه.
وهنا يقول الله سبحانه: ﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾ [النمل: ٤٥]، أي: فريق المؤمنين وهم الأقل، وفريق الكفار الذين يجادلون بالباطل، والذين يملكون أسباب القوة في الظاهر، وقوله: ﴿يَخْتَصِمُونَ﴾ [النمل: ٤٥]، أي: يتجادلون، فالكفار يقولون: أنتم تؤمنون بهذا؟ والمؤمنون يقولون: آمنا به إنه الحق من ربنا.
قال تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ﴾ [النمل: ٤٦]، والقائل هنا: هو النبي صالح عليه الصلاة والسلام، وفي قوله: ((يَا قَوْمِ)) شيء من تليين القلوب، يعني: أنا منكم وأدعوكم للخير، قال تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ [النمل: ٤٦]، ولم: للاستفهام، وليست موضع وقف، لكن إذا وقف عليها جمهور القراء يقولون: لم، وإذا وقف عليها البزي، وابن كثير ويعقوب قالوا: لمه، استفهامية بهاء، وقوله: ﴿لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ [النمل: ٤٦]، كأنه يقول لهم: لم تستعجلون عذاب ربكم قبل رحمته سبحانه؟ بل آمنوا بالله سبحانه وتعالى تدرككم رحمة الله سبحانه وتعالى.
فقال: ﴿لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [النمل: ٤٦]، أي: بجلب عذاب رب العالمين أي: بكفركم، دون أن تتفكروا في هذا الدين العظيم الذي جئتكم به، قال: ﴿لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ [النمل: ٤٦]، أي: باستعجال ما يسوؤكم قبل أن تأتيكم رحمة رب العالمين، ولم تذنبون وتكفرون ثم تنتظرون منه الرحمة؟ وقوله تعالى: ﴿لَوْلا﴾ [النمل: ٤٦]، بمعنى: هلا، وهي للتحضيض والحث، والمعنى: هلا استغفرتم الله بدلاً من ذلك؟


الصفحة التالية
Icon