تفسير قوله تعالى: (وكان في المدينة تسعة رهط ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون)
قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: ٤٨]، يذكر الله سبحانه قصص الأنبياء في مواطن من كتابه، في كل موضع يذكر ما يليق بقصة النبي في هذا الموضع، فهنا في قصة ثمود مع نبيهم صالح ذكر هذه الزيادة التي لم تذكر في هذا الموضع من مواضع القرآن، وهي: أنه كان في هؤلاء القوم تسعة رهط يمشون في الأرض بالفساد، واستكبروا غاية الاستكبار، وتبعهم الناس على ذلك فكانوا مفسدين.
فقوله: ((يفسدون في الأرض)) أي: يأمرون بالفساد، (ولا يصلحون) أي: ليس عندهم إصلاح، ولكن يفعلون الفساد ويأمرون به أيضاً، فأخبر الله سبحانه وتعالى عن هؤلاء أنهم عملوا خطة مع بعضهم، فقال بعضهم لبعض: اكتموا وأسروا ذلك حتى لا يعلم أحد بالذي اتفقنا عليه، واحلفوا على ذلك، واقسموا بالله ألا يقوم أحد منكم فيخبر القوم بما اتفقنا عليه، قال تعالى: ﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [النمل: ٤٩]، يعني: لنقتله بالليل في الظلماء هو ومن معه في الدار، بحيث لا يدري أحد أننا فعلنا هذا الشيء: ((لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ)) يعني: نذهب نحن التسعة فنقتله، مثل ما قام قدار وعقر الناقة قبل ذلك، فنبيكم هذا قال: إننا سنعذب بعد ثلاثة أيام فقبل أن يأتينا العذاب نقتله هو وأهله ثم نقول: ما رأينا ولا عرفنا شيئاً، وإذا كان صادقاً وجاء العذاب فيكون قد استرحنا منه في البداية وتشفينا منه، وإذا لم يأتنا العذاب يكون قد انتهينا من أمر هذا النبي، ((ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ)) أي: لولي دمه ولأقربائه الذين سيطالبون بدمه: ((مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)).
وقوله: ((لَنُبَيِّتَنَّهُ)) هذه قراءة الجمهور، وقراءة حمزة والكسائي وخلف: (لَتُبَيِّتُنَّهُ) يعني: قال بعضهم للبعض الآخر: (لَتُبَيِّتُنَّهُ)، كأنهم يقسمون على ذلك: والله لتفعلن ذلك: (لَتُبَيِّتُنَّهُ وأهله ثم لتقولُّن لوليه ما شهدنا مهلك أهله).
وقوله: ((مَهْلِكَ)) هذه قراءة حفص عن عاصم فقط، ويقرأ شعبة عن عاصم: ((ما شهدنا مَهلَكَ أهله)) وباقي القراء يقرءونها: ((ما شهدنا مُهلك أهله))، وكأن قراءة عاصم من الفعل الثلاثي من هلك، وقراءة الجمهور من الفعل الرباعي: أهلك، يأتي منها: ((مُهلك أهله)).
وعلى قراءة حفص عن عاصم: ((مَهْلِكَ أَهْلِهِ)) يكون بمعنى المكان الذي هلك فيه الأهل، وعلى القراءة الأخرى: كأنه موضع، يعني: لا نظرنا مكاناً، ولا حضرنا طريقة هلاكهم.
قوله: ((وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)) يعني: سيحلفون لهم أنهم صادقون في دعواهم عدم رؤية شيء، مع أنهم هم القتلة لو فعلوا.