تفسير قوله تعالى: (نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق)
قوله: ﴿نَتْلُوا﴾ [القصص: ٣]، يوجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ﴾ [القصص: ٣] حتى تعتبر وتتذكر وتتصبر أنت ومن معك من المؤمنين، فهي سورة مكية يصبر الله عز وجل فيها المؤمنين على ما كانوا فيه من الأذى، أي: إذا أوذيتم فانظروا الأذى الذي أصاب من قبلكم أكثر منكم، ولذلك كان النبي ﷺ إذا أوذي بشيء يقول: (رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر)، فيعتبر النبي ﷺ ويقتدي بمن قبله، كما قال الله سبحانه تبارك وتعالى: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: ٩٠]، فاقتدى ﷺ في الصبر بهؤلاء.
قوله: (من نبأ) النبأ الخبر المغيب، ما كان يعرف النبي ﷺ شيئاً عن موسى ولا عن قومه حتى أخبره الله سبحانه تبارك وتعالى في القرآن، قال: ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ﴾ [القصص: ٣]، أي: من خبر غاب عنك، فنتلو عليك، أو نجعل جبريل يقرأ عليك ذلك فتستمع إلى هذه التلاوة، وتتعلم من نبأ موسى وفرعون.
وهنا ثلاث سور وهن: سورة الشعراء والنمل والقصص ذكر في كل منها قصة موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، والقصة هي هي، ولكن العجب من هذا القرآن العظيم الرائع، حيث إنه في كل موضع يذكر شيئاً من القصة تستفيد منه، ويناسب السياق فسورة الشعراء آياتها قصيرة وفيها هذه القصة، ذكرها الله عز وجل على نفس الفواصل التي في السورة مناسبة معها، وفي سورة النمل تجدها مناسبة، وفي سورة النمل ذكر قصة موسى فيها بنفس الفواصل التي فيها.
وهكذا في السور الأخرى كسورة الأعراف وهود، وهكذا في كل سورة يذكر موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام بشيء إما مختصراً وإما مطولاً، وهنا أطال فيها وأطنب، حيث ذكر فيها قصة موسى منذ مولده، وكيف أن الله عز وجل نجى موسى ولا حول له ولا قوة، وأمه ضعيفة مستضعفة، فهي من بني إسرائيل الذين كانوا يهانون ويستضعفون في الأرض، فلا حول لها ولا قوة ولا حيلة على أمر فرعون، فإذا بالله عز وجل يصنع ما نرى في هذه القصة العجيبة الجميلة من آياته؛ ليطمئن النبي صلى الله عليه وسلم، ويطمئن المؤمنين أنه مهما اشتد الكرب فلا بد وأن يأتي الفرج من عند الله سبحانه، ومهما صبرتم أتاكم النصر من عند الله سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: (اعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).
قوله: ((لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) أي: نتلوه لينتفع به المؤمنون.