تفسير قوله تعالى: (وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك وهم لا يشعرون)
كان موسى من رآه أحبه عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فلما حملت امرأة فرعون التابوت نظرت إليه فأحبته حباً شديداً، ولذلك قالت: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ [القصص: ٩]، فذهبت به إلى فرعون كأنها تتوسل إليه: إياك أن تقتله، لا تقتله، فهذا قرة عين لي ولك، (قرة عين) العين القريرة كأنها من القُر أيك السكون، وإنما تسكن العين حين يستريح الإنسان إلى خبر سار فتقر عينه وتسكن.
الإنسان الخائف من شيء لا تقر عينه فيظل ينظر شمالاً ويميناً.
و (قرة) مأخوذة من القر وهو البرد، وعين الإنسان الفرح قارة، أو يقال: هو قرير العين، أي: من شدة فرحه تدمع عينه، ودمع السرور يكون بارداً، بخلاف دمع الحزن فإنه ينزل حاراً، فتقر عين الإنسان المستبشر الفرحان.
فهنا يقول الله عز وجل: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ [القصص: ٩]، أي: أني في غاية الفرح بهذا الطفل وأنا أريده كي تقر عيني به؛ لأنها لم يكن لها ولد.
وقالت: ﴿لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا﴾ [القصص: ٩]، يوماً من الأيام ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩]، ولكن لا أحد يقرأ الغيب ولا أحد ينظر في المستقبل.
وهذه القصة -كما يقول العلماء- فيها من الفوائد: أن يظهر الله سبحانه تبارك وتعالى علمه وقضاءه وقدره وما سيكون في يوم من الأيام والناس لا يدرون منه شيئاً، يقول سبحانه ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص: ٥] فأرانا كيف منّ عليهم في يوم من الأيام؛ فمهما يستضعف الضعيف ولكن الله عز وجل إذا شاء أن يمكن له سبَّب الأسباب ومكن له يوماً من الأيام.
ويقول العلماء: في هذه الآيات إظهار أن العلو لله وحده لا شريك له، فمهما علا الإنسان واستكبر فإن الله يمكر به، فيتركه يعلو ويعلو، حتى إذا جاء انتقام الله عز وجل منه، وجد الجميع أن هذا هو الحكم العدل، وأن هذا الإنسان يستحق ذلك بكفره وبمعصيته ومثاله: فرعون.
وفي هذه الآيات بيان أنه مهما علا الإنسان الكافر فإن الله يزيله يوماً من الأيام.
وكذلك السورة مكية، والنبي ﷺ في المرحلة المكية ذاق من الكفار ما ذاق، من تعنتهم ومن كفرهم ومن تعذيبهم لأصحابه صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل عندما يقول له: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ [القصص: ٥] فهذا فيه تخفيف من معاناة الرسول عليه الصلاة والسلام، وفيه بشارة للمؤمنين.
وفي هذه القصة إشارة إلى قوله تعالى: ﴿َعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٦].
فالمؤمنون يبتليهم الله سبحانه كما ابتلى موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وابتلى بني إسرائيل، فكان الابتلاء شراً في نظرهم، وإذا به ينجيهم عز وجل ويعكس الأمر، فكانوا يكرهون شيئاً والخير فيه، ولذلك كان موسى يقول لقومه: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون، ففعل الله سبحانه ومكن للمؤمنين.