قصة قتل موسى عليه السلام للقبطي
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
يذكر الله سبحانه وتعالى كيف أن موسى عليه الصلاة والسلام خرج من مصر هارباً إلى مدين من بلاد الشام، وكان السبب في ذلك كما ذكرنا أنه اعترض على فرعون في تأليهه نفسه، فخرج من عندهم ثم دخل المدينة في يوم من الأيام على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان، أحدهما من بني إسرائيل شيعة موسى عليه السلام، والآخر من عدوه، وكأنه يوجد عداء قبل ذلك بين موسى وفرعون، فلذلك لم يكن في المدينة في هذا الوقت بسبب ذلك، وكان هذا الفرعوني يريد أن يسخر الإسرائيلي في عمله ويكرهه على العمل بغير أجر ويضربه، وهذا الآخر يمتنع ويدافع عن نفسه، فاستغاث بموسى عليه، فما كان من موسى عليه الصلاة والسلام إلا أن ضربه بجمع يده ولكمه؛ فقضى عليه، ثم ندم بعد ذلك وقال: هذا من عمل الشيطان، لأنه لم يقصد قتله والشيطان عدو للإنسان يدعوه إلى الشر وإلى البعد عن الله سبحانه وتعالى، إنه عدو مضل وضلاله بين واضح.
ثم استغفر موسى ربه سبحانه وتعالى ودعاه أن يغفر له فقال: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [القصص: ١٦] ثم عاهد ربه سبحانه فقال: رب بما أنعمت علي وما أعطيتني من نعم عظيمة وقويتني ونشأتني على عبادتك، ولم تجعلني مثل هؤلاء الكفرة في عبادتهم لفرعون، فعلي عهد ألا أكون نصيراً للمجرمين وسأكون نصيراً للمؤمنين وللضعفاء.
ولم يعرف بقتل هذا القبطي من البشر سوى موسى عليه الصلاة والسلام وهذا الرجل الإسرائيلي الذي استغاث به.
فأصبح موسى في اليوم الثاني وهو خائف يترقب: ترى ما الذي سيحصل في هذا اليوم؟ هل سيخبر الإسرائيلي عن موسى أنه قتل القبطي أم يسكت عنه؟ فلم يذهب إلى قصر فرعون، ولكنه لبث في المدينة خائف يترقب، فإذا به يبتلى مرة ثانية عليه الصلاة والسلام فيجد الذي استنصره بالأمس يستصرخه اليوم وهو يتشاجر مع رجل من قوم فرعون.
﴿قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨]، أي: إنك داع إلى الهوى وداع إلى الغواية، ومعنى الغوي: كثير الشر.
ولكن لما كان بين موسى عليه السلام وبين الله عهد أن ينصر المظلوم ولا يكون ظهيراً للمجرمين، وهنا ضعيف يستنصره على مجرم يقاتله فلا بد من نصر المظلوم.
وكأن موسى عليه السلام اشتد على هذا الرجل الإسرائيلي في الكلام، واشتد أيضاً على الآخر الفرعوني، فإذا بهذا الإسرائيلي يصرح بقتل موسى للقبطي، وذلك إما في الشجار فقال له: يا موسى اقتله كما قتلت القبطي البارحة.
فعرف القبطي ذلك فقال لموسى عليه الصلاة والسلام: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ﴾ [القصص: ١٩]، يعني: لكونك قوياً تريد أن تقتلني، ﴿إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ﴾ [القصص: ١٩] والجبار الإنسان الذي يقتل بغير تفكير وبغير نظر في العاقبة وبغير تحرٍ واستفهام عن السبب.
ثم قال لموسى عليه الصلاة والسلام: ﴿وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [القصص: ١٩] أي: أصلح بيننا بدلاً من أن تضربني، لكنك تريد أن تكون جباراً ولا تريد أن تكون مصلحاً.
وفر القبطي إلى فرعون ليخبره أن الذي قتل القبطي بالأمس هو موسى الذي ربيته في بيتك.
فاجتمع الناس عند فرعون واتفقوا على قتل موسى عليه الصلاة والسلام، فأسرع رجل منهم وهو مؤمن آل فرعون، وخرج من قصر فرعون يبحث عن موسى ليحذره.


الصفحة التالية
Icon