تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث)
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: ٥].
أمرنا سبحانه أن نتدبر فيما حولنا في هذا الكون، نتدبر في خلقتنا كيف خلقنا الله سبحانه وتعالى، وقال في كتابه: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٨] هذا جهل الإنسان حين يجادل ويقول: من الذي سيحيي هذه العظام بعدما صارت رميماً؟ نقول: أنت نسيت من الذي خلقها أول مرة، الذي خلقها أول مرة هو الذي يعيدها مرة ثانية، فلم لم تتعجب من الخلق الأول وتتعجب من الإعادة؟! وهل الإعادة أصعب من بدء الخلق؟ فالله سبحانه بدأ الخلق وكان عدماً، فجعله تراباً وماء ثم جعله إنساناً، ثم فني هذا الإنسان ورجع للتراب، فهل الذي خلقه من العدم غير قادر على أن يركبه مرة ثانية من هذا التراب الذي صار إليه؟! ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: ٧٨ - ٧٩].
والخطاب هنا في قوله: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) خطاب قرآن مكي؛ لأن في مكة كان الكفار أكثر من المسلمين، وكان الخطاب لهؤلاء أمة الدعوة، فهو يدعوهم ويقول: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ))، أما في المدينة فقد كان الخطاب للمؤمنين؛ لأن المدينة امتلأت بالمؤمنين، فكان الخطاب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤].
هنا قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ﴾ [الحج: ٥]، الريب: هو الشك، أي: أن الله عز وجل يحييكم ويبعثكم بعدما أماتكم.
قوله: ((فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ))، قال: (فإنا) جاء بنون العظمة هنا، فالخلق عظيم، وهذا يدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، فهو أتى بنون العظمة تعظيماً لنفسه وشأنه وقدرته سبحانه وتعالى، ((فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ)) أي: هو الذي تفرد بالخلق والأمر سبحانه لا شريك له، فجمع بين الاثنين فقال: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤] أي: هو الذي تفرد بأن يخلق سبحانه، وهو الذي تفرد بأن يشرع لهذا المخلوق، وبأن يدله على الطريق الصحيح الذي يسلكه إلى جنة رب العالمين وإلى رضاه.


الصفحة التالية
Icon