تفسير قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت)
قال الله عز وجل لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: ٥٦].
هذه الآية نزلت في أبي طالب عم النبي صلوات الله وسلامه عليه بإجماع المفسرين، كان النبي ﷺ في غاية الحزن عليه لأنه لم يدخل في دين الإسلام، فقد كان يود لو أنه قال كلمة لا إله إلا الله ثم مات على ذلك، ولكن أبى الله عز وجل إلا أن يموت على ما هو فيه، فالرجل أبى أن يقول لا إله إلا الله، وآخر كلمة نطق بها قال هو على ملة عبد المطلب، فهنا الله سبحانه وتعالى يواسي نبيه ﷺ ويقول له: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦].
أي: الأمر ليس بيدك أنت، ولكن الهدى هدى الله سبحانه وتعالى، فهذا العباس عم النبي ﷺ هداه الله عز وجل، وهذا حمزة عم النبي ﷺ هداه الله عز وجل، وهذا أبو طالب لم يهده الله عز وجل وأضله، وهذا ابنه عقيل بن أبي طالب وابنه جعفر بن أبي طالب هداهم الله عز وجل للإسلام، وعقيل بن أبي طالب استمر على الكفر وما دخل في الإسلام إلا متأخراً، فصار بعد ذلك مسلماً.
فالله يهدي من يشاء، والهدى هدى الله سبحانه وتعالى، فأعمام النبي ﷺ كان منهم من يؤذيه، ومنهم من يدافع عنه، ومنهم من دخل في دينه، وكان أبو لهب يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأشد الناس إيذاءً للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يمر النبي ﷺ في الطريق يدعو الناس، فيسير وراءه يقول: هذا كذاب، لا تصدقوه أنا عمه أنا أعلم به، فيكذب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا حضر النبي ﷺ الموسم في الحج، ودعا الناس إلى دين الله عز وجل كان يكون وراءه يكذبه، صلوات الله وسلامه عليه.
وابنه عتبة بن أبي لهب كان زوجاً لبنت النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأبيه: لأوذين محمداً ﷺ فذهب وفرح أبوه بذلك وكانا ذاهبين إلى الشام أبو لهب وابنه عتبة بن أبي لهب فأتى النبي ﷺ وكذبه وقال له عن نفسه إنه كافر بالنجم إذا هوى، وكافر بما جاء في القرآن العظيم، ثم طلق ابنة النبي ﷺ وفعل أفعالاً شنيعة، فالنبي ﷺ دعا عليه وقال: (سلط الله عليك كلباً من الكلاب) وخرج الرجل وذهب إلى أبيه مسروراً أنه آذى النبي ﷺ وأنه طلق بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما وصل إلى أبيه قال له ذلك: ففرح أبوه ثم سأله: ماذا قال لك؟ قال: ((سلط الله عليك كلباً من كلابه)) فأبوه خاف من هذه الكلمة، وخرج إلى الشام ومعهم مجموعة من الناس، ولما وصلوا إلى بعض الطريق نظر إليهم راهب من صومعته، وقال: ما أتى بكم إلى هذه الأرض فإنها أرض مسبعة يعني: فيها أسود كثيرة، فخاف أبو لهب وتذكر دعوة النبي ﷺ على ابنه فجمع من معه في الرحلة، وقال: ألست كبيركم؟ أليس لي حق في السن والكبر عليكم؟ قالوا: بلى قال: فاحموا ابني فإن محمداً دعا عليه.
ولا يغني حذر من قدر، فلما قال ذلك جمعوا أمتعتهم بأمره ووضعوا بعضها فوق بعض ونام فوق الأمتعة عتبة بن أبي لهب لعنة الله عليه وعلى أبيه، فلما نام ناموا حوله يحرسونه، وجاء الأسد بالليل فجعل يشمهم واحداً واحداً حتى انتهى منهم، ثم وثب فوق المتاع فعصر رأسه بأنيابه فأخذه فقتله لعنة الله عليه.
وكم تمنى النبي ﷺ أن يؤمن هذا الإنسان فلم يؤمن هو ولا امرأته ولا ابنه لعنة الله عليهم وعلى أمثالهم، وما آمن أبو طالب ولكنه دافع عن الإسلام، ولذلك حزن عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ودافع أيضاً عن النبي ﷺ وكان موجوداً حين جاء عتبة بن أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فشتم النبي ﷺ وطلق ابنته وعابه وعاب القرآن فلما دعا عليه ﷺ قال أبو طالب: ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة.
لقد قالها لأنه يعرف أن دعوة النبي ﷺ لا بد وأن تستجاب فاستجاب الله عز وجل دعوته وقتل عتبة الكافر، وسلط عليه كلباً من كلابه أكله، لقد علم أبو طالب بذلك ومع ذلك لم يسلم.
نسأل الله عز وجل أن يهدينا صراطه المستقيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا وعلى آله وصحبه أجمعين.