مواضيع سورة العنكبوت
في هذه السورة تثبيت للمؤمنين، وأنه مهما أصابتهم الفتن، ومهما أصابهم البلاء، فإن لهم الجنة جزاء صبرهم، لذا فإن كل سورة من سور القرآن لها أغراض يذكرها ربنا تبارك وتعالى في ثنايا هذه السور، فالإنسان الناظر نظرة عامة لهذه السورة يجد فيها أن الله عز وجل يثبت المؤمنين المستضعفين الذين يبتلون، فيقول لهم: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢] ثم يسوق لهم كيف ابتلى الأنبياء، ومنهم إبراهيم الخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام حينما ألقي في النار: ﴿قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ﴾ [العنكبوت: ٢٤].
وفيها أيضاً: الأمر بمنافاة المشركين والبعد عنهم، والتبرؤ من هؤلاء المشركين حتى ولو كانوا أولي قربى، ولذلك وصى الله عز وجل بالوالدين إحساناً وقال: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥]، فالإنسان يصاحب الوالدين بالمعروف، ويحسن إليهما، ويطيع الوالدين في المعروف، أما في الكفر بالله عز وجل، وفي معصية الله فلا طاعة لأحد في ذلك.
وفي هذه السورة أيضاً وجوب صبر المؤمنين على أذى المشركين، وأن لهم سعة في الأرض فيذهبون ويتوجهون حيث شاءوا، قال الله عز وجل فيها: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت: ٥٦]، فذكر أن أرض الله عز وجل واسعة، وذكر في السورة الأخرى فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ [النساء: ٩٧]، وهنا ذكر الله عز وجل فقال: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت: ٥٦]، أي: ما الذي جعلكم تقيمون في مكة حتى هذا الحين، وقد هاجر النبي ﷺ وأصحابه إلى المدينة؟ ولماذا تقولون: نحن مستضعفون وأنتم لا زلتم في مكة؟ وإنما اخرجوا وهاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فحاول ذلك المستضعفون في مكة فخرج منهم من استطاع أن يهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ورد منهم من غلب على أمره وأرجعوه إلى مكة.
أيضاً في هذه السورة الأمر بترك الجدل إلا بالحسنى، قال تعالى: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦].
كذلك فيها الأمر للنبي ﷺ بالثبات على إبلاغ هذا القرآن العظيم، وشرائع هذا الإسلام العظيم، والتأسي بالأنبياء السابقين وبأحوالهم.
كذلك فيها الإخبار عن أمية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي أمي عليه الصلاة والسلام، قال سبحانه: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٨]، فذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أمياً، وذكر أيضاً الحكمة من ذلك، وهي: أنك يا محمد! إن كنت تتلو كتاباً من قبل القرآن، أو كنت تخط كتاباً بيمينك ﴿إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٨]، أي: لارتاب أهل الباطل في القرآن، ولقالوا: إن هذا الكلام الذي يقوله قد قرأه من كتب السابقين، وترجمه لنا بالعربية حين يزعم أنه من كلام الله عز وجل، لذلك أغلق الله عز وجل عنهم هذا الباب فقال: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: ٤٨ - ٤٩]، أي: أن القرآن محفوظ في الصدور والسطور، بخلاف الكتب السابقة، فقد كان أهل الكتاب يكتبونها فإذا مات من حفظوا ذلك يقوم الذين كتبوا فيحرفون هذا الكتاب، وما يجدون أحداً يراجع عليهم ويقولون: ما حفظنا غير هذا الذي كتبتموه، فيحرفون ولا يعرفه غيرهم.
أما القرآن فالأصل أنه محفوظ في الصدور: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: ٤٩].
كذلك في هذه السورة الإلزام بإثبات وحدانية الله سبحانه تبارك وتعالى، فقد ألزم المشركين بأن يعبدوا الله وحده، فهم يقرون بأنه الخالق وحده سبحانه، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [العنكبوت: ٦١] أي: فكيف يصرفون عن توحيده؟ وكيف ينصرفون عن عبادته سبحانه وقد أقروا أنه الخالق سبحانه، خلق السموات والأرض بغير عمد ترونها؟ كذلك فيها إثبات جزاء الأعمال، فقد توعد الله المشركين بالعذاب الذي يأتيهم بغتة وهم منهمكون في باطلهم، وغير ذلك من أغراض هذه السورة العظيمة.


الصفحة التالية
Icon