تفسير قوله تعالى: (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا)
قال سبحانه: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ [العنكبوت: ٤].
يعني: أفظن الذين يعملون السيئات ويكسبون الشرك والمعاصي، وأفظع السيئات الكفر بالله سبحانه وتعالى.
فيقول لهؤلاء المشركين: هل تظنون أنكم تهربون من الله سبحانه، وتعجزون ربكم؟! وكأنه المثال الذي بين الناس: شخص يجري وراء آخر فقد يفلت من هذا الذي يجري وراءه، ولكن أتظن وأنت تتعامل مع الله عز وجل أنك سوف تهرب منه سبحانه، فتصعد إلى السماء أو تنزل إلى الأرض، أو تمشي شمالاً أو يميناً، وتفلت من الله سبحانه، فهذا لا يكون أبداً.
قال تعالى: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤]، أي: ساء ما يحكمون به على ربهم أن شبهوه بالخلق، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
فهم في عبادتهم يشبهون خالقهم بالمخلوق؛ لذلك صنعوا الأوثان والأصنام حتى يروها أمامهم، فيعبدوها من دون الله سبحانه وتعالى، وهذا تفكيرهم الغبي، فقال سبحانه: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤]، أي: على خالقهم بأنه لا يقدر عليهم، أو بأنهم يعجزونه، ولذلك لما اجتمع ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي، فتكلموا يسرون إلى بعضهم، وأسروا حديثهم، فسأل بعضهم بعضاً: أترون الله يسمعنا؟ فقال أحد الحمقى منهم: أرى أنه يسمعنا لو جهرنا ولا يسمعنا إذا أسررنا.
وقال الأخر: لو كان يسمعنا إذا جهرنا فهو يسمعنا في الحالين.
فأنزل الله عز وجل يذكر في هذه الآيات أنهم كانوا يقيسون الخالق على المخلوق، إذ لو وقف أحد بعيداً عن المخلوق وأسر لآخر فإنه لن يسمعه، كذلك ربنا تعالى الله عما قالوا.
فنتكلم في السر من أجل ألا يسمعنا.
قال تعالى: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤]، أي: يحكمون على خالقهم حكمهم على البشر، ويحكمون عليه أنه لا يقدر عليهم، وأنهم يعجزونه ويفلتون ويهربون منه.