هلاك قوم نوح بالطوفان
قال الله عز وجل: ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ﴾ [العنكبوت: ١٤]، الطوفان: هو الماء الذي أغرقهم، فإذا به يطوف بهم، فبعد أن كانوا فوق الماء صاروا تحته، فأغرقهم الله عز وجل بأن أمر السماء أن تفتح أبوابها، وأمر الأرض أن تفتح أبوابها، فإذا بالماء ينبع من الأرض وينزل من السماء، وينطبق الماءان عليهم، فيهلكهم الله سبحانه بالغرق العظيم.
وممن أهلك الله في ذلك الطوفان: ابن نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، قال الله عز وجل: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ [هود: ٤٢] فرفض الابن الكافر أن يركب مع أبيه النبي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقال: ﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ﴾ [هود: ٤٣] أي: سأطلع فوق الجبل ولن يصل إلي الماء، فاغتر بذلك وصعد إلى الجبل، فصعد الماء وراءه حتى أغرقه الله فكان من المغرقين.
ومعنى قوله سبحانه: ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ﴾ [العنكبوت: ١٤] أي: أغرقهم الطوفان، وكأنه مارد جبار أمسكهم فلم يفلتهم، ولم يترك لهم مكاناً يلجئون فيه ويهربون إليه، فكأنه أمسك بهم وأغرقهم بقدرة الله عز وجل فيه، وهذا دليل على الإهلاك الشديد، وعدم الإفلات من عذاب الله سبحانه وتعالى إذا نزل؛ ولذلك يقول الله بعد ذلك: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾ [العنكبوت: ٢٢] فلو نزلتم داخل الأرض أو طلعتم إلى السماء فلن تهربوا منا.
قوله: ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ١٤]، أي: بسبب ظلمهم.
قال عز وجل: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ﴾ [العنكبوت: ١٥] أي: أنجينا نوحاً على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وذلك أن الله أمره أن يصنع السفينة، فظل يصنعها سنين، وخلال هذه السنين كان يمر به قومه ويستهزئون به، قال سبحانه: ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ [هود: ٣٨] وذلك أنهم قالوا: كيف تصنع سفينة في الصحراء، وكيف تركبها، إذاً: أنت مجنون بفعلك هذا، فرد عليهم: ﴿قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ [هود: ٣٨] انتظروا ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [هود: ٣٩].
وجعل الله عز وجل له علامة من العلامات تأتي وقت عذابهم، وهي أن الفرن الذي يتقد ناراً سيخرج منه الماء.
فلما رأى نوح تلك العلامة ركب السفينة وركب معه المؤمنون من قومه: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠]، ثم أغرق الله الجميع، قال تعالى: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ﴾ [العنكبوت: ١٥]، وأصحاب السفينة هم الذين أمره الله عز وجل بحملهم من الإنس والدواب: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠].
قال سبحانه: ﴿وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ١٥] أي: جعلنا هذه القصة آية للعالمين، وجعلنا هذه السفينة آية عجباً؛ لأنه من العجب أن يصنع رجل واحد سفينة تحمل خلقاً عظيماً من الإنس ومن الدواب وممن شاء الله عز وجل له أن يحمله، فهذه آية من آيات الله سبحانه وتعالى.
ثم ذكر من بعد نوح إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.