تذكير إبراهيم لقومه بقدرة الله تعالى
قال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [العنكبوت: ١٩]، (أولم يروا) إما أنه كلام من الله عز وجل يقول لهؤلاء الموجودين: أولم ير هؤلاء الكفار كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده؟ أو أنه من كلام إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهذه رواية شعبة عن عاصم، وقراءة حمزة والكسائي وخلف: (أولم تروا) بالخطاب كأنه من إبراهيم يقول لقومه: (أولم تروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده)، والإنسان يرى كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده في كل يوم وفي كل فصل من الفصول، فالناس ينظرون إلى النبات كيف يبدؤه الله سبحانه، فيكون حبة في الأرض ثم تنمو سنبلة، ثم تصير فيها الحبوب، ثم يأكلها الإنسان وتموت ثم يزرعها مرة ثانية، وفي كل ذلك يرى الناس كيف يبدأ الله عز وجل الخلق ثم يعيده مرة ثانية.
وكما يرى في الحيوان كيف يتوالد أمامه، كيف يبدئ الله عز وجل خلقه فيكون صغيراً ثم يكبر، ثم يتزاوج، ثم يأتي منه النسل ويموت الأب، بل يرى كل إنسان في نفسه كيف يكون منه الذرية وكيف يموت الكبار ويعيش الصغار، يرى في كل يوم آيات الله سبحانه ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [العنكبوت: ١٩] سبحانه وتعالى ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [العنكبوت: ١٩]، والمعنى: إذا كنتم في الدنيا ترون هذا فكيف لا يقدر على ذلك يوم القيامة سبحانه؟! بل هو على الله سبحانه يسير.
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ﴾ [العنكبوت: ٢٠]، وكأن الله عز وجل هنا يأمر نبيه ﷺ أن يقول للكفار: سيروا في الأرض واذهبوا جنوباً وانظروا قوم عاد وما صنع الله عز وجل بهم وسيروا شمالاً وانظروا كيف صنع بقوم ثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة، ما الذي صنعه الله عز وجل بهؤلاء.
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْق﴾ [العنكبوت: ٢٠].
أي: كيف بدأ الله عز وجل خلقه فأوجد القرون السابقة، فسيروا وتبينوا وانظروا وتدبروا، ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ﴾ [العنكبوت: ٢٠] أي: يعيد الخلق مرة ثانية.
فالذي بدأه من عدم قادر على أن يوجده من عدم أو من تراب مرة أخرى سبحانه وتعالى، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ﴾ [العنكبوت: ٢٠]، أي: يعيده ويخلقه، والنشأة الآخرة: الخلق الآخر، أي: مرة أخرى، وقراءة الجمهور (النشأة الآخرة)، وقراءة ابن كثير وأبي عمرو (النشاءة الآخرة).
﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [العنكبوت: ٢٠]، فإنه يقدر على الخلق، ويقدر على الرزق ويقدر على الجزاء لعباده والحساب لهم، ويقدر أن يدخلهم جنته برحمته أو أن يدخلهم ناره بعدله سبحانه، والله على كل شيء قدير ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ [العنكبوت: ٢١].