لمحة مختصرة عن دعوة إبراهيم قومه إلى التوحيد وترك الشرك
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
ذكر الله قصة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام في سورة العنكبوت باختصار، مشيراً فيها إلى أن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام دعا قومه إلى عبادة الله سبحانه، وترك الأوثان والأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله، قال عز وجل: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ﴾ [العنكبوت: ١٦] أي: توجهوا إلى الله وحده بالعبادة واحذروا عقوبته سبحانه، ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ١٦] أي: لو كنتم تعلمون وتفهمون، ولو اطلعتم على هذا الأمر وحقيقة ما يكون يوم القيامة لعلمتم أن الخير لكم في الدنيا والآخرة هو بتوحيد الله تعالى وعبادته.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] أي: هذه المعبودات التي تعبدونها من دون الله أنتم الذين صنعتموها ونحتموها، فعبدتم كذباً اختلقتموه واخترعتموه.
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ [العنكبوت: ١٧] وقد علم كل إنسان كافر أن الآلهة الباطلة التي يعبدها من دون الله لا تملك له نفعاً ولا ضراً، ولا تملك له رزقاً ولا تمنعه عنه، إنما الذي يرزق وينفع ويضر هو الله سبحانه وتعالى، فأمرهم إبراهيم أن يبتغوا عند الله الرزق، وأن يدعوا الله سبحانه ويطلبوا من الله ويتوكلوا عليه ويعبدوه ويشكروا له، قال: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: ١٧].
وكلام إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام كلام جميل فصيح بليغ، فهو يدعوهم إلى الله سبحانه، وبين لهم في هذه الجملة الواحدة أن هذه الآلهة لا تملك شيئاً لنفسها ولا لهم، لا تملك رزقاً؛ لأن الذي يملك الرزق هو الله سبحانه وتعالى، فإذا كان كذلك فاطلبوا الرزق ممن يملكه، فهنا يعلمهم ويعلم غيرهم ألا يتوكل المرء على غير الله سبحانه، فأنت لا تطلب الرزق ممن لا يملك لنفسه شيئاً، بل اطلب الرزق من الله عز وجل، وارفع يدك إليه وادعه مخلصاً له سبحانه، فهو الذي يعطيك، فإذا كان هو الذي يعطي فاعبده سبحانه، وتوجه بالعبادة إليه، ومن العبادة الدعاء والتوكل على الله والاستغاثة به واللجوء إليه سبحانه، وكذلك الصدق مع الله ومحبته والإخلاص له وتوحيده بجميع أنواع العبادات.
قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: ١٧] أي: اشكروا الله أن ترككم وأمهلكم حتى الآن وأنتم تعبدون غيره لعلكم تتوبون إليه سبحانه، اشكروه أن رزقكم وأنتم تكفرون به وتشركون به، واشكروه أن جعل فيكم من يدعوكم إليه سبحانه وتعالى، فاشكروا نعمة الله عز وجل عليكم بإعطائه ومنه عليكم، وتذكروا أنكم إليه ترجعون.
﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا﴾ [العنكبوت: ١٨] هذا من خطاب إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام لقومه، أو أن الله عز وجل يقول لهؤلاء المشركين: لستم أول من كذب، كما أن قوم إبراهيم ليسوا أول من كذب، ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٨] أي: ليس أمراً جديداً أن يكذب قوم إبراهيم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقد كذبت الأمم من قبل ذلك، وليس جديداً أن تكذب الرسل، فقد ذكر الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [فاطر: ٤] فالرسل قد كذبهم أقوامهم أول ما دعوهم إلى الله عز وجل، ثم من الله عز وجل بعد ذلك بالهدى على من يشاء، قال: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [العنكبوت: ١٨] أي: يأخذ بالأسباب والنتيجة على الله سبحانه تبارك وتعالى.