تفسير قوله تعالى: (يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير)
قال الله تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ [العنكبوت: ٢١] فمن قدرة الله سبحانه كما يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعيد النشأة مرة ثانية بعد الإفناء، كذلك يحاسب ويعذب ويرحم سبحانه، يعذب من يشاء من خلقه ويرحم من يشاء من خلقه ﴿وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ [العنكبوت: ٢١] أي: ترجعون إليه سبحانه.
قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ﴾ [العنكبوت: ٢٢] أين تهربون من الله سبحانه وتعالى؟ هل تظنون أنكم سوف تفلتون من الله وتهربون منه؟! لن تعجزوا ربكم سبحانه.
فقوله ((وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ)) هذا من الإعجاز القرآني العظيم؛ لأن فيه إشارة إلى أن الناس سيحاولون الصعود إلى السماء، سيحاولون ذلك، وكان الماضون من المفسرين يتعجبون لهذه الكلمة، فيقولون: وما أنتم بمعجزين في الأرض وأنتم فيها، ولا في السماء فرضاً جدلياً؛ لأنهم لم يروا أحداً، يعني: لن تعجزوا الله لا في الأرض ولا في السماء.
ولم ينزل القرآن للسابقين فقط، بل القرآن للجميع حتى تقوم الساعة، فهو يخاطب الجميع، والله يعلم أنكم في يوم من الأيام ستصنعون الصواريخ والطائرات، وتصعدون إلى السماء، وتظنون أنكم أقوياء وتعجزون غيركم، لكن ولو ذهبتم إلى السماء فلن تقدروا أن تفلتوا من الله سبحانه وتعالى، ولا تتحركون من مكان إلى مكان إلا بإذن الله وبقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى.
﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ [العنكبوت: ٢٢] أي: من يتولى أمركم من دون الله؟ لا أحد، من ينصركم من دون الله؟ لا أحد.
إذاً: لا ولاية لأحد يتولى أمركم إذا أراد الله عز وجل بكم شيئاً، ولا ينصركم أحد من دون الله إن أراد بكم شراً.


الصفحة التالية
Icon