معنى قوله تعالى: (فإن أصابه خير اطمأن به)
قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ﴾ [الحج: ١١] يعني: ثبت على الدين، ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾ [الحج: ١١] يعني: أصابته في ماله وبدنه وولده، انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، فالإنسان الذي يرتد ويرجع إلى الكفر لن يضر الله شيئاً، إنما هو الخاسر الخسران المبين، ففي الدنيا الله عز وجل يعطي الإنسان الهدى من فضله ورحمته، وهذا أعظم مكسب، ولذلك أهل الجنة يقولون عند دخولهم الجنة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٤٣]، فهنا أهل الجنة عرفوا نعمة الله عز وجل، ونعمة الإسلام، ووفق العبد للعبادة في الدنيا وابتلاه في الدنيا فصبر، فكان بتوفيق من الله سبحانه تبارك وتعالى أن أعطاه في الدنيا فحمد ربه، وعندما يأتي يوم القيامة يقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا.
أما هؤلاء الكفار الذين ارتدوا على أعقابهم فقد خسروا الهدى في الدنيا، وخسروا طريق الله فلم يعرفوه، أو ارتدوا عن طريق الله سبحانه تبارك وتعالى، فالكافر قلبه مظلم، يعيش في شك وحيرة، ويعيش في ضلال وتيه، فلا تفرح بمظهر الإنسان الكافر صاحب الغنى والمال والثروة، فقلبه فيه خواء، ضيع عمره في الرقص واللعب والموسيقى والأغاني، وهو يستشعر أن قلبه لا يوجد فيه شيء، هو مستشعر أنه ضائع تائه، ولذلك أعلى معدلات الانتحار تكون عند هؤلاء الكفار، يأخذ أحدهم من الدنيا ولا يشبع، فهو يحس أنه محتاج إلى شيء لكنه لا يعرفه، ما هو هذا الشيء الذي يحتاج إليه؟! وفي النهاية يضيع ويهلك نفسه منتحراً يائساً من الدنيا، وتجد كثيرين من هؤلاء معهم من الأموال الشيء الكثير، ولكن لا يستشعرون بالسعادة التي يستشعرها المؤمن الفقير.
فالمؤمن الفقير راض عن الله سبحانه تبارك وتعالى، إن أعطاه حمده، وإن منعه صبر وانتظر أن يدخل الجنة قبل الأغنياء يوم القيامة، في قلبه ما يدفعه إلى حب الله سبحانه، وينتظر الجزاء من الله سبحانه تبارك وتعالى، قلبه معلق بالله، وممتلئ إيماناً، أما الكافر فقلبه فارغ.
فذلك الكافر يخسر الدنيا مهما أعطي فيها من مال وبنين وغير ذلك، وانظروا إلى التفكك الأسري عند الكفار، يعيش الكافر ويكبر ابنه فيحس أنه ليس بابنه، فابنه بعدما يبلغ لا يستطيع أن يبقيه في البيت، يخرج ابنه خارج البيت، فلا يوجد بينهم ترابط أسري، والدين هو الذي يوجب ذلك، فعندما يكبر الأب يذهب إلى دار المسنين، لا يقبل الابن أن يكون أبوه معه في البيت، ولا أمه تكون معه في البيت، كل واحد يعيش لوحده! لا يوجد ترابط بينهم! فالذي يجمع ويؤلف هو دين الله سبحانه تبارك وتعالى، يجعل في القلب حب الأب للابن، وحب الابن لأبيه، والطاعة بين الابن لأبيه، والمحبة من الأب لابنه، فيجمع الناس، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: ١٣]، أما هؤلاء فأهم شيء عندهم الدنيا، فيحصل على الدنيا ولا يتدخل في أنه ينفع ابنه أو يضره! هنا الله سبحانه تبارك وتعالى يخبر عن هؤلاء الكفار أنهم خسروا الدنيا والآخرة، ﴿ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج: ١١] أي: الواضح البين، فهؤلاء ما استفادوا بأن دعوا الأصنام شيئاً، يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه، فهذا الصنم الذي يعبده من دون الله، وهذه الآلهة الباطلة التي يعبدها من دون الله، لا تضر ولا تنفع، بل ضررها أقرب من نفعها، فالكافر يدعو الوثن والصنم ويتقرب إليه، ويطلب منه أن ينصره، وترك ربه سبحانه فتخلى عنه ربه وتركه، فخسر الدنيا قبل الآخرة، فنصر الله سبحانه وولايته ليست مع هذا الإنسان، فهو يدعو الصنم، والله يقول: (أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) فهذا الذي يدعو غير الله أين النفع الذي سينفعه الصنم؟! لا يملك لنفسه شيئاً فضلاً عن غيره، وخسر في الدنيا ولاية الله سبحانه، وخسر الآخرة فكان في النار عياذاً بالله.


الصفحة التالية
Icon